وسوف أنضو الثوب عني ولم أدر لماذا جئت أين المقر؟

فالمؤمن يعرف - بقلب مطمئن، وضمير مستريح، وروح مستبشرة - أنه يلبس ثوب العمر بقدر اللّه الذي يصرف الوجود كله تصريف الحكيم الخيبر. وأن اليد التي ألبسته إياه أحكم منه وأرحم به، فلا ضرورة لاستشارته لأنه لم يكن ليشير كما يشير صاحب هذه اليد العليم البصير. وأنه يلبسه لأداء دور معين في هذا الكون، يتأثر بكل ما فيه، ويؤثر في كل ما فيه. وأن هذا الدور يتناسق مع جميع الأدوار التي يقوم بها كل كائن من الأشياء والأحياء منذ البدء حتى المصير. وهو يعلم إذن لماذا جاء، كما أنه يعرف أين المقر، ولا يحار بين شتى الفكر، بل يقطع الرحلة ويؤدي الدور في طمأنينة وفي ثقة وفي يقين. وقد يرتقي في المعرفة الإيمانية، فيقطع الرحلة ويؤدي الدور في فرح وانطلاق واستبشار، شاعرا بجمال الهبة وجلال العطية. هبة العمر - أو الثوب - الممنوح له من يد الكريم المنان، الجميل اللطيف، الودود الرحيم. وهبة الدور الذي يؤديه - كائنا ما كان من المشقة - لينتهي به إلى ربه في اشتياق حبيب! ويختفي شعور كالشعور الذي عشته في فترة من فترات الضياع والقلق، قبل أن أحيا في ظلال القرآن، وقبل أن يأخذ اللّه بيدي إلى ظله الكريم. ذلك الشعور الذي خلعته روحي المتعبة على الكون كله، فعبرت عنه أقول:

وقف الكون حائرا أين يمضي؟ ولماذا وكيف - لو شاء - يمضي؟

عبث ضائع وجهد غبين ومصير مقنّع ليس يرضي

فأنا أعرف اليوم - وللّه الحمد والمنة - أنه ليس هناك جهد غبين فكل جهد مجزي. وليس هناك تعب ضائع فكل تعب مثمر. وأن المصير مرض وأنه بين يدي عادل رحيم. وأنا أشعر اليوم - وللّه الحمد والمنة - أن الكون لا يقف تلك الوقفة البائسة أبدا فروح الكون تؤمن بربها، وتتجه إليه، وتسبح بحمده. والكون يمضي وفق ناموسه الذي اختاره اللّه له، في طاعة وفي رضى وفي تسليم! وهذا كسب ضخم في عالم الشعور وعالم التفكير، كما أنه كسب ضخم في عالم الجسد والأعصاب، فوق ما هو كسب ضخم في جمال العمل والنشاط والتأثر والتأثير.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015