ولأنه لا يفضي إلى مثل تطويل دعاء الاسْتِفْتَاح، وإذا جمعت بينهما، قلت: هل يستفتح ويتعوذ؟ فيه ثلاثة أوجه:
أصحهما: أنه لا يستفتح وَيتَعَوَّذ.
وقوله في الكتاب: "والأصح أن الاستفتاح لا يستحب" بعد ذكر الخلاف فيهما مشعر؛ لأن الأصح في التعوُّذ الاسْتِحْبَاب، ولك أن تعلم قوله: "والتعوُّذ" بالواو؛ لأنه أثبت الخلاف فيهما جميعاً، وفي كلام الشَّيخ أبي محمد طريقة أخرى قاطعة باسْتِحْبَاب التَّعوذ. ومنها: أن السُّنة فيها الإسْرار بالقراءة نَهَاراً، وباللَّيل وجهان:
أصحهما: وهو ظاهر المَنْصُوص: أنه يسر أيضاً، لأنها قومة شرعت فيها الفَاتحة دون السُّورة، فأشبهت الثَّالثة من المغرب، والثالثة والرابعة من العشاء.
والثاني وبه قال الدَّارِكيُّ أنه يجهر بها؛ لأنها صلاة تفعل ليلاً ونهاراً، فيجهر بها ليلاً كصلاة الخُسُوف، وهذا هو الَّذِي حكاه الإمَامُ عن الصَّيْدَلاَنِي والقَاضي الرُّويانيّ عن أبي حامد. وقوله في الكتاب: "ليلاً" معلَّم بالواو لهذا.
ومنها: نقل المزنِيُّ في "المختصر" أن عقيب التكبيرة الثانية يحمد الله تعالى ويصلِّي على النَّبي ويدعو للمؤمنين والمؤمنات، فهذه ثلاثة أشياء أوسطها الصَّلاة على النبي وهن من الأركان على ما سبق ذكرها، وأولها الحمد، ولا خلاف في أنه لا يجب، وهل تستحب؟ نقل المزني فيه وجهين:
أحدهما: لا وهو قضية كلام الأكثرين وقالوا: ليس في كتب الشَّافعي -رضي الله عنه- ما نقله المزني.
والثاني: نعم، وهو الذي أورده صاحب "التهذيب" و"التتمة".
قال هؤلاء: ولعل المزني سمعه لفظاً.
وثالثها: الدعاء للمؤمنين والمؤمنات وعامة الأصحاب على استحبابه عُقَيْبَ الصَّلاَة على النَّبي ليكون أقرب إلى الإجابة، وفيه كلام آخر نذكره من بعد.
ومنها: إذا كبر الثالثة فيستحب أن يكون في دعائه للميت "اللَّهم هذا عبدك وابن عبدك، خرج من روح الدنيا وسعتها، ومحبوبه وأحبائه فيها إلى ظلمة القبر وما هو لاقيه كان يشهد أن لا إله إلا أنت، وأن محمداً عبدُك ورسولك وأنت أعلم به، اللهم إنه نزل بك وأنت خير مَنْزُول به، وأصبح فقيراً إلى رحمتك وأنت غني عن عذابه، وقد جئناك راغبين إليك شفعاء له، اللهم إن كان محسناً فَزِدْ في إحسانه، وإن كان مسيئاً فتجاوز عنه، وَلَقِّه برحمتك رضاك، وَقِهِ فتنة القبر وعذابه، وأفْسِحْ له في قبره، وجاف الأرض عن جنبيه، ولَقِّه برحمتك الأمن من عذابك حتى تبعثه إلى جنتك برحمتك يا أرحم