وأظهرهما: عند الأكثرين، ولم يذكر في "التَّهْذِيبِ" سواه: أنها لا تحسب؛ لأن الماء إذا أْصاب المَحل اختلط بما عليه من السِّدر، وتغير به، فعلى هذا المحسوب ما يصبّ عليه من الماء القراح بعد زوال السِّدر، ويستحب أن يجعل في كل ماء قراح كَافُوراً، وهو في الغسلة الأخيرة آكد.

لما روي أنه -صلى الله عليه وسلم- قال لأم عطية وهي من غاسلات ابنته -رضي الله عنها-: "وَاجْعَلْنَ فِي الآخِرَةِ كَافُوراً" (?).

والسَّبب فيه أنَّ رائحته مطردة للهَوَام، وليكن قليلاً لا يتفاحش التغير به ولا يسلب الطهورية، وقد يكون صلباً لا يقدح التَّغير به وإن كان فاحشاً على الصحيح؛ لأنه مجاور وبعد تَلْيين مفاصله بعد الغَسل؛ لأنها لانت بالماء فيتوخى بالتَّليين بقاء لينها كما ذكرنا في التَّليين عُقَيب الموت، ونقل الْمَزنِيُّ إعادة التَّليين في أول وضعه على المغتسل وأنكره أكثر الأصحاب ثم ينشفه ويبالغ فيه كيلا تبتلَّ أكفانه، فيسرع إليه الفساد، ثم هذا تمام مسائل الفصل. ثم اعرف أموراً:

منها: أن صاحب الكتاب في "الوسيط" والإمام في "النهاية" أشارا إلى أن تعهد الشَّعر بالغسل والتَّسريح ليس من نفس الغسل، بل هو من مقدماته، كالوضوء وغيره، ولذلك قالا: "يصبُّ الماء على شِقِّه الأيمن مُبتدئاً من رأسه إلى قدمه"، والأكثرون لم يذكروا صَبَّ الماء على الرأس، ولكن قالوا: بصبه على صَفْحَةِ العنق والصدر والفخذ والساق، وهذا مصير منهم إلى أن غسل الرأس، وتعهد الشعر من جملة الغسل، وكلام الشَّافعي -رضي الله عنه- في "المختصر" يوافق قول الأكثرين.

ومنها: أن قوله: "وذلك غسلة واحدة، ثم يفعل ذلك ثلاثاً" يقتضي اسْتحباب ثلاث غسلات بعد تلك الغسلة، وهو صحيح بناء على أن تلك الغسلة بالماء المتغير بالسدر والخَطْمِي، وأن المحسوب الغسل بالماء القراح، فإنه حينئذ يراعي ثلاث غسلات بعدها بالماء القراح.

وقوله: بعدها "أو يستعمل السِّدر في بعض الغسلات" ذلك البعض هو الغسلة الأولى، نصوا عليه كما قدمناه، وإنما أبهم ذكره المُصَنف وشيخه وربما أوهم إيراده عد الغسلة التي فيها السِّدر من الثَّلاث، وتخصيص الخلاف بأن الفرض هل يسقط بها فيجب الاحتراز عن الوهم؟ ومعرفة أنا إذا لم نسقط الفرض بها لا نحسبها من الثلاث أيضاً. يجوز أن يرقم لفظ "الثلاث" و"الخمس" و"السبع" [في الكتاب] (?) بالميم؛ لأنه روى عن مالك: أنه لا اعتبار بالعدد، وإنما المعتبر الإنقاء.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015