والقول الثاني: أنه لا يشترط بقاء الجماعة، بل لو بقي وحده كان له أن يتم الجمعة؛ لأن الشروع وقع والشُّروط مَوْفُور فلا يضر الانفراد بالعدد بعده، يحكى هذا عن القول عن تخريج المزني، وذكروا أنّه خرجه من القول القديم في منع الاستخلاف، فإنه إذا أحدث الإمام وقلنا: لا استخلاف يتمونها جمعة، ولم يذكروا في هذا الموضع فَصْلاً بين أن يكون حدثه بعدما صَلُّوا ركعة أو قبله، ثم قال القاضي ابن كج وكثير من أصحابنا: اختلف أئمتنا في تخريجه، فمنهم من سلمه ومنهم من أبى، ولم يثبته قولاً، فهذا شرح القولين في أصل المسألة، وخرج المزني قولاً آخر، وذهب إليه أنه إن كان الانفضاض في الركعة الأولى بطلت الجمعة، وإن كان بعدها لم تبطل، ويتم الإمام الجمعة، وكذا من معه إن بقي معه جَمْع، ووجهه ظاهر قوله -صلى الله عليه وسلم-: "مَنْ أَدْرَكَ رَكْعَةً مِنَ اَلْجُمُعَةِ فَليُضِفْ إِلَيْهَا أُخْرَى" (?).
وأيضاً فإن المسبوق إذا أدرك ركعةً من الجمعة يتمها جمعة، فكذلك الإمام، وبهذا القول قال مالك وأبو حنيفة إلا أن أبا حنيفة يكتفي بتقييد الرَّكْعَة بسجدة ولا يعتبر تمامها، واختلف أصحابنا في قبول هذا التخريج أيضاً، منهم من أباه، وقال: المسبوق تَبَعٌ للقوم، وقد صحت لهم جمعة تامة وهاهنا بخلافه، ومنهم من سلمه وعدَّه قولاً آخر، وعلى هذا إذا اختصرت وتركت الترتيب قلت: في المسألة خمسة أقوال:
أظهرها: بطلان الجُمُعَة.
والثاني: إن بقي معه اثنان لم تبطل.
والثالث: إن بقي معه واحدٌ لَمْ تَبْطُل، وهذه الثَّلاثة منصوصةٌ الأولان منها مذكوران في الجديد.
والثالث: في القديم.
والرابع: أنها لا تبطل وإن بقي وحده.
والخامس: الفرق بين أن يكون الانفضاض بعد ركعة أو قبلها، وقد ذكر في الكتاب كلها سوى الرابع منها.
وقوله: (بطل على قول) معلم بالحاء والميم والزَّاي لما حكيناه.
وقوله: (على قول ثَانٍ) لا تبطل بالألف، وكذا قوله: (وعلى قول ثالث لا تبطل).
وقوله: (مهما توفر العدد في لحظة) غير مجرى على إطلاقه، فإنه لا يجوز أن