وأصحهما -وبه قال أحمد-: أن الجمعة تَبْطُلُ، ويشترط العدد في جميع أجزاء الصَّلاة، لأنه شرط في الابتداء، فيكون شرطاً في سائر الأجزاء كالوقت، ودار الإقامة، ولأن الانفضاض لا يحتمل في شيء من الخطبة التي هي مقدمة الصَّلاة، فلأن لا يحتمل في نفس الصَّلاة كان أولى.

والثاني: لا تبطل، ولا يشترط استمرار العدد في جميع الصلاة، لما روي: "أَنَّهُمْ انْفَضُّوا عَن النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- فَلَمْ يَبْقَ إِلاَّ اثْنَا عَشَرَ رَجُلاً وَفِيهِمْ نَزَلَتْ: {وَإِذَا رَأَوْا تِجَارَةً أَوْ لَهْوًا انْفَضُّوا إِلَيْهَا} (?) الآية". ثم إنه بني على الصَّلاة، وأيضاً فإن بقاء العدد عنده لا يتعلق باختيار الإمام، وفي الابتداء يمكن تكليفه بأن لا يتحرم حتى يحضروا، والشيء قد يشترط في الابتداء ولا يشترط في الدوام كالنِّيَّةِ في الصَّلاة وغيرها.

التفريع: إن شرطنا دوام العدد فلو تَحرَّم الإمام وتباطأ المقتدون ثم تحرموا نظر إن تأخر تحرمهم عن ركوعه فلا جمعة، وإن لم يتأخر عن الركوع فعن القفال: أن الجمعة صحيحة، وعن الشيخ أبي محمد: أنه يشترط أن لا يطول الفصل بين تحرمهم وتحرمه.

وقال إمام الحرمين: الشرط أن يَتَمَكَّنُوا من إتمام قراءة الفاتحة، وإذا حَصَلَ ذلك فلا يضر الفَصْل، وهذا أصح عند حُجَّة الإِسْلاَم، وإن قلنا: لا يشترط دوام العدد فهل يشترط دوام الجماعة أم له إتمام الجمعة وإن بقي وحده؟ فيه قولان:

أظهرهما: أنه يشترط؛ لأن الجمعة صَلاةٌ تجمع الجماعات، والغرض منها إقامة الشَّعار، وإظهار اتفاق الكلمة كما سبق، فإن احتمال اختلال العدد فلا ينبغي أن يحتمل اختلال أصل الجماعة، وعلى هذا ففي العدد المشروط بقاؤه قولان:

الجديد: أنه يشترط بقاء اثنين؛ ليكونوا معه ثلاثة فإنها الجمع المطلق.

والقديم: أنه يكفي بقاء واحد معه لأنَّا الاثنين فما فوقهما جماعة (?)، وهل يشترط أن يكون الواحد والاثنان على اختلاف هذين القولين على صفات الكمال.

قال في "النهاية": الظاهر أنه يشترط ذلك كما يشترط كونهم على صفات الكمال في الابتداء، وعن صاحب "التقريب": أنه يحتمل خلافه فإنا إذا اكتفينا باسم الجماعة فلا يبعد أن نعتبر صفات الكمال.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015