على ما يدل عليه ظاهر النَّص؛ لأنه لا يأمن انفضاضهم ثانياً لو اشتغل بالإعادة، فيصير ذلك عذراً في ترك الجمعة، واعلم أن ابن سريج وأبا علي متفقان على وجوب الموالاة بين الخطبة والصلاة، وامتناع بناء الجمعة على الخطبة التي مضت، لكن هذا عذره في تركها جميعاً، وذلك لم يعذره، وأوجب إعادة الخطبة ليصلي الجمعة بها، وأما أبو إسحاق فإنه احتمل الفصل الطويل، وجوز البناء على الخطبة الماضية، وتَحَصَّلَ مما ذكرناه خلاف في وجوب إقامة الجمعة على ما اختصره في "الوسيط"، فقال: وإذا شرطنا الموالاة ولم يعد الخطبة أثم المنفضون، وهل يأثم الخطيب فيه قولان:
أحدهما: لا؛ لأنه أدى ما عليه والذنب لهم.
والثاني: نعم؛ لتمكنه من الإعادة.
وقوله في الكتاب: (لم يجز) معلَّم بالحاء لما تقدم.
وقوله: "فإن سكت الخطيب ... " إلى آخره الحكم غير مخصوص بصورة السكوت، بل لو مضى في الخطبة، ثم لما عادوا أعاد ما جرى من واجباتها في حالة الانفضاض كان كما لو سكت.
قال الغزالي: فَلَوِ انْفَضُّوا فِي خِلاَلِ الصَّلاَةِ وَلَوْ فِي لَحْظَةٍ بَطُلَ عَلَى قَوْلٍ، وَعَلَى قَوْلٍ ثَانٍ: لاَ تَبْطُلُ (م) مَهْمَا تَوَفَّرَ العَدَدُ فِي لَحْظَةٍ إِذَا بَقِيَ مَعَ الإِمَامِ وَاحِدٌ عَلَى رَأْيٍ أَوِ اثْنَانِ عَلَى رَأْيٍ، وَعَلَى قَوْلٍ ثَالِثٍ: لاَ تَبْطُلُ بِالانْفِضَاضِ فِي الرَّكْعَةِ الثَّانِيَةِ الجَمَاعَةُ. [وعلى قول رابع لا تبطل مهما توفر العدد، وإن بقي الإمام وحده] (?).
قال الرافعي: لو تحرم بالعدد المعتبر، ثم حضر أربعون آخرون وَتَحَرَّمُوا، ثم انفض الأولون لم تبطل الجمعة، لأن العدد لم يبطل في أي شيء من الصَّلاة، ولا فرق بين أن يكون اللاَّحقون قد سمعوا الخطبة أو لم يسمعوها؛ لأنهم إذا لحقوا والعدد تَام صارَ حكمهم واحداً، فإذا ثبتوا استمرت الجمعة، كما لو تحرم بثمانين سمعوا الخطبة، ثم انفض منهم أربعون.
قال إمام الحرمين: ولا يمتنع عندي أن يقال: يشترط بقاء أربعين سمعوا الخطبة فلا تستمر الجمعة إذا كان اللاَّحِقُون لم يَسْمَعُوها، وإن انفضوا ولحق أربعون على الاتصال فقد قال في "الوسيط": تستمر الجمعة أيضاً، لكن يشترط هاهنا أن يكون اللاَّحِقُون ممن سمعوا الخطبة، وإن انفضوا ونقص العدد في باقي الصَّلاة أو في شيء من هذه مسألة الكتاب، وفيها قولان؛ ومنهم من أضاف إليها قولاً ثالثاً، ونذكره بعد توجيه القولين وتفريعها.