وأصحهما: نعم؛ لأن للولاء وقعاً في استمالة القلوب وتنبيهها، ولأن الأولين خطبوا على الولاء فيجب اتباعهم فيه، وذكر صاحب [التهذيب] (?) وغيره أن هذا القول الثاني هو الجديد، وبنى أبو سعيد المتولي وآخرون الخلاف في المسألة على أن الخطبتين بدلٌ من الركعتين أم لا؟ إن قلنا: نعم وجب الاستئناف وإلا فلا، وقرب حُجَّة الإسلام -قدس الله روحه- في "الوسيط" خلاف المسألة من الخلاف في الوضوء هل يجب فيه الموالاة؟ لكن ظاهر المذهب ثَمَّ إنها لا تجب، وهاهنا أنها تَجِب، ويدلُّ على الفرق بين البنائين أن الفصل بالعذر ثَمّ لا يقدح على أظهر الطريقين، وهاهنا لا فرق بين أن تفوت الموالاة بعذر أو بغير عذر.
قال في "النهاية": ولولا ذلك لما ضَرَّ الفصل الطويل هاهنا؛ لأن سببه عذر الانفضاض، ولو لم يعد الأولون واجتمع بدلهم أربعون فلا بد من استئناف الخطبة، طال الفصل أو لم يطل، كذلك ذكره صاحب "التهذيب" وغيره.
ولو انفضوا بعد الفراغ من الخطبة نظر، إن عادوا قبل طول الفصل صلى الجمعة بتلك الخطبة، وإن عادوا بعد طول الفصل ففي اشتراط الموالاة بين الخطبة والصلاة قولان كاشتراطهما في الخطبة، والأصح الاشتراط، وشبهوا الخطبة والصلاة بالصلاتين المجموعتين تجب الموالاة بينهما، فعلى هذا لا تمكن الصَّلاة بتلك الخطبة، وعلى الأول تمكن ثم إن المزني نقل في "المختصر" عن الشافعي -رضي الله عنه- أنه قال في هذه الصورة: أحببت أن يبتدئ الخطبة ثم يصلي الجمعة، فإن لم يفعل صَلَّى بهم الظهر، واختلف الأصحاب فيه قال ابْنُ سُرَيْجٍ: يجب أن يعيد الخُطْبة، ويصلي بهم الجُمُعَة؛ لأنه متمكن من إقامتها فلا سبيل إلى تركها، وهذا اختيار القفال والأكثرين (?).
قالوا: ولفظ الشافعي -رضي الله عنه- (أوجبت)، وأما (أحببت) فهو تصحيف من النَّاقل، أو وهم، وربما حملوا "أحببت" على "أوجبت" وقالوا: كل واجب محبوب كما أن كل محرم مكروه، ولذلك يطلق لفظ الكراهة ويراد به التحريم، وقوله: (وصلى بهم الظهر) حملوه على ما إذا ضاق الوقت.
وقال أبو إسحاق: لا تجب إعادة الخطبة، لكن يستحب، وتجب الجمعة، أما الأول فلأنهم قد ينفضون ثانياً، فيعذر في ترك إعادتها، وأمَّا الثاني فللقدرة على إقامتها.
وقال أبو علي صاحب "الإفصاح": لا تجب إعادة الخطبة ولا الجمعة، ويستحبان