والرابعة: أن لا ينوي هذا ولا ذاك بل يطلق التكبيرة.

قال بعض الأصحاب: تنعقد صَلاتُه؛ لأن قرينة الافتتاح تصرفها إليه، والظاهر أنه لا يقصد الهَوِيّ ما لم يتحرم، وحكى أصحابنا العراقيون عن نصه في: "الأم": أنها لا تنعقد؛ لأن قرينة الهَوِيّ تصرفها إليه، وإذا تعارضَتِ القرينتان فلا بُدَّ من قَصْدٍ صَارِفٍ، وإلا فَهِي بمثابة ما لو قصد التشريك بينهما، ومَيْلَ إمام الحرمين إلى الوجه الأول، وظاهر المذهب عند الجمهور الثاني.

وقوله في الكتاب: (جاز إلا إذا قصد به الهَوِيَّ) ليس العصر للاستثناء فيه، بل قوله: (فإن أطلق) في معنى المستثنى، وكأنه قال: وإلا إذا أطلق نعم، هذا مختلف فيه وذاك متفق عليه، ثم لا بد من استثناء الحالة الثالثة أيضاً، وإن لم يتعرض لها، والمراد من التردد الذي أطلقه القول المنصوص، والوجه المقابل له.

وقوله: (لتعارض القرينة) يجوز أن يكون إشارةً إلى توجيه الخلاف، ويجوز أن يكون علة لعدم الانعقاد، أي: إذا تعارضتَا فلا بُدَّ من قصدٍ مُخَصَّصٍ.

قال الغزالي: وَلَوْ نَوَى قَطْعَ القُدْوَةِ فِي أَثْنَاءِ الصَّلاَةِ فَفِي بُطْلاَنِ صَلاَتِهِ ثَلاثَةُ أَقْوَالٍ يُفَرِّقُ الثَّالِثُ بَيْنَ الْمَعْذُورِ وَغيْرَ الْمَعْذُورِ، وَعَلَى كُلِّ قَوْلٍ إِذَا أَحْدَثَ الإِمامُ لَمْ تَبْطُلْ (ح) صَلاةُ الْمَأْمُومِ.

قال الرافعي: إذا أخرج المأموم نفسه عن متابعة الإمام، ففي بطلان صلاته قولان:

أحدهما: أنها تبطل لقوله -صلى الله عليه وسلم-: "إِنَّمَا جُعِلَ الْإِمَامُ لِيُؤْتَمَّ بِهِ، فَلاَ تَخْتَلِفُوا عَلَيْهِ" (?).

وأيضاً فإنه التزم بالاقتداء، وانعقدت صلاته على حكم المتابعة، فكيف بها.

والثاني: لا تبطل؛ لما روي "أَنَّ مُعَاذًا -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- أَمَّ قَوْمَهُ لَيْلَةً فِي صَلاَةِ الْعِشَاءِ بَعْدَ مَا صَلاَّهَا مَعَ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- فَافْتَتَحَ سُوَرَةَ الْبَقَرَةِ فَتَنَحَّى مِنْ خَلْفِهِ رَجُلٌ، وَصَلَّى وَحْدَهُ فَقِيلَ لَهُ: نَافَقْتَ ثُمَّ ذَكَرَ ذلِكَ لِرَسُولِ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- فَقَالَ الرَّجُلُ: يَا رَسُولَ اللهِ إِنَّكَ أَخَّرْتَ الْعِشَاءَ، وَإِنَّ مُعَاذاً صَلَّى مَعَكَ، ثُمَّ أَمَّنَا وافْتَتَح سُورَةَ الْبَقَرَةِ، وَإِنَّمَا نَحْنُ أَصْحَابُ نَوَاضِح، نَعْمَل بِأَيْدِينَا فَلَمَّا رَأَيْتُ ذلِكَ تَأَخَّرْتُ، وَصَلَّيْتُ فَقَالَ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم-: "أَفُتَّانٌ أَنْتَ يَا مُعَاذُ اقرَأ سُورَةَ كَذَا وَكَذَا، وَلَمْ يَأْمُرِ الرَّجُلَ بِالإعَادَةِ" (?).

طور بواسطة نورين ميديا © 2015