الأَخْذِ قولين (?): أحدهما: المنع؛ لأنه لا يَتَمَكَّنُ من تَمَلُّكِهِ، وليس له أن يَبِيعَ مَالَ غَيْرِهِ لنفسه.
والثاني: الجَوَازُ -وهو الَّذِي أَوْرَدَهُ عَامَّةُ الأَصْحَاب -رحمهم الله- لما رُوِيَ عَنْ عَائِشَةَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهَا- أَنَّ هِنْداً قَالَتْ: يَا رَسُولَ اللهِ -إِنَّ أَبَا سُفْيَانَ رَجْلٌ شَحِيحٌ وَإِنَّهُ لاَ يُعْطِينِي مَا يَكْفِينِي وَوَلَدِي إِلاَّ مَا أَخَذْتُ مِنْهُ سِرّاً وَهُوَ لاَ يَعلَمُ- فَهَل عَليَّ في ذَلِكَ شَيْءٌ؟ فقال النَّبيُّ -صلى الله عليه وسلم-: "خُذِي مَا يَكْفِيكِ وَوَلَدَكِ بِالْمَعْرُوفِ" (?) جَوَّزَ لها الأخْذَ من غير فَرْقٍ بين الجِنْسِ وغير الجنس.
وقال أبو حَنِيْفَةَ: يأخذ جِنْسَ حَقِّهِ، ولا يَأْخُذُ غَيْرَ الجِنْسِ، إلا أن يكون حَقُّهُ الدَّرَاهِمَ، فيأخذ الدَّنَانِيرَ، وبالعكس.
وعن أحمد أنه لا يَأْخُذُ الجِنْسَ، وهذه رواية عن مَالِكٍ، والأَشْهَرُ عنه، أنه [إن] (?) لم يكن على المَدْيُونِ دَيْنٌ آخر، فله أَخْذُهُ، وإن كان فلا يأخذ إلا قَدْرَ حِصَّتِهِ، وإن أَمْكَنَ تحصيل (?) الحق بالقاضي؛ بأن كان مُقِرّاً، لكنه يَمْتَنِعُ من الأَدَاءِ، أو كان مُنْكِراً، وللمستحق بَيِّنَةٌ، فهل يَسْتَقِلُّ بالأخذ، أم تجب (?) المُرَافَعَةُ؟ فيه وجهان:
أحدهما: المَنْعُ من الاسْتِقْلاَلِ، كما لو أَمْكَنَهُ تَحْصِيلُ الحَقِّ بالمُطَالَبَةِ والتَّقَاضِي. ومن قال بهذا، قال: لو كان مُنْكِراً ولا بَيِّنَةَ، ولكن صاحب الحق يَرْجُو إِقْرَارَهُ لو أحضره عند القَاضِي، وعَرَضَ عليه اليَمِينَ، وجب إِحْضَارُهُ أيضاً.
وأصحهما: على ما ذكر القَاضِيَانِ: أبو الطيب، والروياني ويُحْكَى عن أبي إسحاق وابن أبي هُرَيْرَةَ أنه يَجُوزُ الاسْتِقْلاَلُ (?)، لحديث هِنْدٍ بأنه -صلى الله عليه وسلم- لم يَأْمُرْهَا بالمُرَافَعَةِ؛ لأن في المرافعة مُؤْنَةً ومَشَقَّةً وتَضْيِيعَ زَمَانٍ، والمذكور في الكتاب هو الوَجْهُ الأول.
وقوله: "وإن تَعَذَّرَ رَفْعُهُ بِتَعَزُّزِهِ، أو تَوَارِيه، فإن ظَفِرَ بِجِنْسِ حَقِّهِ، فله أخذه". الحكم على ما ذَكَرَهُ مَنُوطٌ بِتَعَذُّرِ رَفْعِ الخَصْمِ إلى القاضي. وعلى هذا فالغَائِبُ كالمُتَعَذِّرِ والمُتَوارِي، وكذلك هو في كلام الإِمَامِ ونَاَطَ صاحب "التهذيب" وغيره الحُكْمَ بِتَعَذُّرِ