الحالة الأولى: إذا ثبت العَدَدُ المُعْتَبَرُ، كما لو رجع من الثَّلاَثةِ في العِتْقِ، أو من الخمسة في الزِّنَا واحد، فوجهان، ويقال: قَوْلاَن:
أصحهما: وبه قال أبو حَنِيْفَةَ، وابن سُرَيجٍ، والإصْطَخْرِيُّ، وابنُ الحَدَّادِ: لا غُرْمَ على الراجع؛ لأنه بقي (?) من تَقُومُ به الحُجَّةُ، ولو لمَ يَشْهَدُ في الابتداء سِوَى من بَقِيَ، لاكتفينا بِشِهَادَتِهِ، فكأن الرَّاجِعَ لم يَشْهَد.
والثاني: وهو اختيار المُزَنِيُّ، وأبي إِسْحَاقَ: أن على الراجع حِصَّتَهُ من الغُرْمِ، إذا وزع عليهم جَمِيعاً؛ لأن الحُكْمَ وَقَعَ بشهادة الجَمِيعِ، وكل منهم قد فَوَّتَ قِسْطاً، فَيُغَرَّمُ ما فوَّتَ.
قال في "التهذيب": لا خِلاَفَ أن القِصَاصَ لا يجب، والحَالَةُ هذه، لكن قال الشيخ أبو مُحَمَّدٍ في "الفروق": حكى [لي] (?) من أَعْتَمِدُهُ عن الشيخ القَفَّالِ: إنه إذا رَجَعَ وَاحِدٌ من شهود القَتْلِ، وقال: تَعَمَّدْنَا جَمِيعاً، فعليه القِصَاصُ (?).
وإن ثبت من تَقُومُ به الحُجَّةُ؛ لأن الرَّاجِعَ اعْتَرَفَ على نَفْسِهِ بالقَتْلِ، والمال إنما (?) يلزم الراجع، إذا أثرت شهادته تَفْوِيتاً. وإذا ثبت من يُكْتَفَى بشهادته للحكم، يَتَحَقَّق التَّفْوِيتُ في شهادته الثانية، إذا لم يَثْبُتْ في العَدَدِ المُعْتَبَرِ، إلا بعضهم، كما إذا رجع من الثَّلاَثةِ أو الخمسة اثْنَانِ، فعلى الوَجْهَيْنِ في الحالة الأولى: إن قلنا: لا غُرْمَ على الرَّاجعين هناك؛ فَيُوَزَّع الغُرْمُ هاهنا على العَدَدِ المُعْتَبَرِ، وحِصَّةُ من نقص عن العدد المُعْتَبَرِ تُوَزَّع على مَنْ رَجَعَ بالسَّوِيِّةِ، ففي صُوَرِهِ الثلاثة، يكون نِصْفُ الغُرْمِ على الراجعين، لبقاء نصف الحُجَّةِ.
وفي صوره الخمسة عليهما رُبْعُ الغُرْمِ، لبقاء ثلاثة أَرْبَاعِ الحُجَّةِ، وإن أَوْجَبْنَا الغُرْمَ على من رَجَعَ هناك، فعلى الرَّاجِعِينَ من الثَلاثة ثُلُثَا الغُرْمِ، وفي الخمسة خمساه.