الله عنهما-، وإما تَصَرُّفاً من نَصِّهِ هاهنا، ونصه في الرَّضَاعِ بالتَّحْرِيمِ، وإليه ذهب الإصْطَخرِيُّ:
أحدهما: وهو اختيار المُزَنِيِّ: أن الشَّاهِدَيْنِ لا يُغَرَّمَانِ إلا النِّصْفَ؛ لأنه الذي فَاتَ على الزَّوْجِ، والنصف الثاني عَادَ إليه سَلِيماً، فصار كما لو شَهِدَ على المُشْتَرِي بالإقَالَةِ، وقضى القاضي، ثم رَجَعَا لا يُغَرَّمَانِ شَيْئًا؛ لأنهما وإن فَوَّتَا عليه السِّلْعَةَ، ردًّا إليه الثَّمَنَ.
وأصحهما: أنهما يُغَرَّمَانِ جميعه؛ لأنه بَدَلَ ما أَتْلَفُوهُ. والنظر في الإتْلاَفِ، إلى المُتْلف، لا إلى ما قام به على المُسْتَحقّ، ولهذا لو أَبْرَأَتْهُ عن الصَّدَاقِ، وشهَد الشَّاهِدَانِ بالطلاق، ورجعا، يُغَرَّمَانِ، وإن لم يَفُتْ على الزوج شيء.
واْصحاب الطريق افْتَرَقُوا؛ فمن مثبت للقولين في صورة الرَّضَاعِ أيضاً، مخرج لإحداهما من هاهنا، ومن قَاطِع بوجوب النِّصْفِ هناك.
والفَرْقُ أن الرَّضَاعَ يقطع النِّكَاحَ حَقِيقَةً، كالطلاق، ولا يُفَوِّتُ عليه من المَهْرِ إلاَّ النِّصْفَ، فلا يُغَرَّمُ له، إلا النِّصْفَ.
وهاهنا اعترف الشَّاهِدَانِ بالكَذِب. ولا فِرَاقَ في الحقيقة كما يَزْعُمَانِ، لكن حَالا بينه وبين حَقِّهِ، فيُغَرَّمَانِ تَمَامَ القِيمَةِ، كَالغَاصِبِ، يَحُولُ بين المالك ومِلْكِهِ.
والطريق الثاني: القَطْعُ بأن الشاهدين يُغَرَّمَانِ مَهْرَ المِثْلِ.
والثالث: القطع بأنهما يُغَرَّمَانِ النِّصْفَ، وجعل ما قاله المزني غَلَطاً: حَكَاهُ الشيخ أبو علي.
والرابع: إن كان الزَّوْجُ قد سَلَّمَ إليها الصَّدَاقَ، فيُغَرَّمُ الشَّاهِدَانِ جَمِيعَ مهر المثل؛ لأنه لا يتمكن من اسْتِرْدَادِ شيء، لِزَعْمِهِ أنّها زَوْجَتُهُ، وأنها تَسْتَحِقُّ جميع الصَّدَاقِ,. [و] عليه يُحْمَلُ مَنْقُولُ المزني.
وإن كان قبل التَّسْلِيمِ، فلا يُغَرَّمَانِ إلا النِّصْفَ؛ لأنها لا تُطَالِبُهُ إلا بالنِّصْفِ، وعلى هذا، يُحْمَلُ مَنقُولُ الربيع. وحُكِيَ في المسألة على طَرِيقَةِ إثبات الخلاف، قَوْلاَنِ آخران:
أحدهما: عن القديم، وبه قال أبو حَنِيْفَةَ: أنهما يغرمان (?) نصف المسمى؛ لأنه الفَائِتُ على الزَّوْجِ [لا مَهْرَ المِثْلِ، ولا نصفه.] (?)
والثاني: يُغَرَّمَانِ جَمِيعَ المُسَمَّى؛ لأنه قد بذل، والتَّشَطُّرُ أمر يَخْتَصُّ بالزَّوْجَيْنِ، فَيُجْعَلُ في المسألة أربعة أقوال، كما هي مَذْكورةٌ في الكتاب في باب الرَّضَاعِ.