والثالث: حمل الأول علَى ما إذا جاء شاهداً، ولم يتمَّ العدَوُ، وحمل الثاني علَى ما إذا قذف على سبيل السبِّ والإِيذاء.

واعلم أن اشتراطَ التوبة بالقَوْل في القذْفِ لا وضوحَ لَهُ، وإِلحاقَهُ بالردَّة تشبيه مجرَّد لا توجيه مقنع، ولَيْسَ اشتراطُ كلمتَي الشهادة مخصوصاً بالردَّة القوليَّة، فإن الردة الفعليَّة كإلقاء المصْحَف في القاذُورات يُشْتَرطُ فيها كلمتا الشهادة أيْضاً، وبالجملة، فلَمْ يشترطْ في القَوْل أن يقولَ: ما كنتُ مُحِقاً في قَوْلِ كذا، فلا يُشْتَرَطُ في الفعل أن يقول: ما كنت مُحِقاً في فعْلِ كذا، وما السَّبَبُ الفارقُ، ثم قضيَّة ما يقول في القذفْ أنْ يُشترطَ التوبةُ بالقول في سائر المعاصِي القوليَّة، كشهادة الزور، والغِيبة، والنَّميمة، وقد صرح صاحبُ "المهذب" بذلك في شهادة الزور، فقال: التوبة عنْها أن يقول: كذَبْتُ فيما فعَلْتُ، ولا أعودُ إلَى مثله، والله أعلم.

وأَعْلم قوله في الكتاب "ويكفيه أن يقول: تبْتُ" بالواو؛ لوجه الإِصطخرِّي؛ حيث لم يكتف بذلك، واعتبر أن يقول: كذبْتُ.

وقوله يجب "استبراؤه" بالألف لما تقدَّم.

فروع: حَكَى الإِمام وجهاً فيمن قَذَف، وأتى بالبينة علَى زنا المقذوف: أنه لا تُقْبَل شهادته؛ لأنه ليس له أن يقْذِفَ ثم يأتي بالبينة، بل كان ينبغي أن يجيء مجيء الشهود، والأصح أنها تُقْبَل؛ لأن صدقَهُ قد تبيَّن بالبينة، وكذا الحكمُ لو اعترف المقذوف، وكذا لو قذف زوجَتَه، ولا عن ولا فَرْقَ في ردِّ الشهادة وكيفية التوْبَة بيْن أن يقذف محصناً أو غير محصَنٍ، حتى لو قذَف عبْدَ نفْسِه، ترد شهادته، ويكفي تحريم القذف سَبباً للردِّ، وشاهد الزور يُسْتبرأ كسائر الفَسَقة، فإذا ظهَر صلاحُه، قُبِلَتْ شهادته في غير تلك الواقعة ومن غلط في الشهادة، فلا حاجَةَ إلى استبرائه، وتُقْبَلُ شهادته في غَيْر واقعة الغلطِ، لا تُقْبَلُ فيما ذكره في "التهذيب" (?).

طور بواسطة نورين ميديا © 2015