بالقول، فهل يستبرأ المدَّة المذكورة، إذا عُرِفَ عدلاً إلى أن قَذَف، يُنْظَر؛ إن كان القذفُ على صورة الشهادَةِ، فلا حاجة إلَيْه وحَكَى الإِمامُ طريقة أخرَى؛ أنه على قولَيْن، كما سنذكر في القذْفِ علَى صورة السبِّ والإِيذاءِ، والظاهرُ الفرقُ، فإن ذلك فسقٌ مقطوعٌ فيه، والفسق عند الشهادة غيرُ مقطوع به، ولهذا تُقْبل روايةُ من شهد بالزنا، وإن لم يتعب؛ ألا ترى أنهم كانوا يَرْوُنَ عن أبي بَكرة الثقفيِّ -رضي الله عنه- ولم يتب وروايةُ مَنْ قَذَفَ سباً غير مقبولة وبتأيد ذلك بقَوْل عمر -رضي الله عنه- في القصَّة المشْهُورة لأبي بَكْرَةَ تُبْ أَقْبَلَ شَهَادَتَكَ (?) وإن كان قَذْفَ سَبٍّ وإيذاءٍ فظاهر نصِّ "المختصر": أنه لا يُشترطُ الاستبراء وتُقبل شهادته في الحَال، وعن نصِّه -رضي الله عنه- في "الأم": أنه يُشترطُ، وفيهما طريقان؛ الأشهر أن المسألة على قولَيْن:
أحدُهُمَا: لا يُشْترط؛ لأن القاذفَ يحتمل أن يكون صادقاً، فلا حاجة فيه إلى التشديد والاحتياط، ويُحْكَى هذا عن أحمد -رحمه الله-.
وأصحُّهما: الاشتراط؛ على ما قال تعالَى {إِلاَّ الَّذِينَ تَابُوا مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ وَأَصْلَحُوا} [آل عمران: 89] وصار كما في سائر المعاصِي، وتركهما منزلون على حالَيْن، وذكروا للتنزيل وجوهاً:
أَحَدها: حمل ما في "المختصر" على ما إذا لم يصرِّح بتكذيب نفْسه، وحمل ما في "الأم" على ما إذا صَرَّح.
والثاني: حمل الأوَّل عَلَى ما إذا طال الزمانُ بعْد القذف، وحسنت السيرة، ثم تاب بالقول، وحمل الثاني على ما إذا لم يطل.