قَالَ الغَزَالِيُّ: وَإِنْ ظَهَرَ لِلقَاضِي بَعْدَ الحُكْمِ أَنَّهُ قَضَى بِقَوْلِ عَبْدَيْنِ أَوْ كَافِرَينِ أَوْ صَبِيَّيْنِ نَقَضَ الحُكْمِ، وَإِنْ كَانَ بِقَوْلِ فَاسِقَيْنِ نَقَضَ أَيْضاً عَلَى أَظْهَرِ القَوْلَيْنِ، إِلاَّ أنْ يَفْسُقَ بَعْدَ الحُكْمِ فَلاَ يُقَدَّرُ اسْتِنَادُ الفِسْقِ إِلَى المَاضِي عَلَى أَصَحِّ الرَأْيَيْنِ.
قَالَ الرَّافِعِيُّ: إذا حكم القاضِي بشهادةِ اثنين، ثم بان له أنهما كانا عَبْدَيْنِ أو كافِرَيْن، أو صبِيَّيْنِ، أو امرأتَيْنِ، فينتقض حكمه، لأنه تيقَّن الخطأ في الحكْم، كما لو حكم باجتهاده، ثم بان النصُّ بخلافه، ولو تبيَّن لقاضٍ آخر أنه حكَمَ بشهادَتِهما، نفَضَ حكمه أيضاً، واعترض عليه بأنَّ العلماء اختلفوا في قَبُول شهادةِ العَبِيد، فلم ينقض الحكْم في محَلَّ الاختلاف والاجتهاد، وأجيب عنه بأنَّ الفرْضَ فيمن لا يعتقدُ الحكْم بشهادة العبْدَين وحكم بشهادة اثنين ظنَّهما حرَّيْن، ولا اعتداد بمثل الحكم، وأيضاً فإنَّما لا ينقض الحُكْم، إذا لم يخالف القياس الجليَّ، وهذا يخالفه، فإن العبد ناقص في الولايةَ، وسائرِ الأحكامِ، فكانت الشهادةُ في معناها، وإنْ بان أنه حكَم بشهادة فاسقَيْن، نصَّ في "المختصر" على أنه ينقض أيضاً (?)، قال المُزَنِيُّ: وقال في موضع آخر: إن المشهودَ عَلَيْه، إذا طلب الجرح مكَّنه منه، وأمْهَلَه مدةً قريبةً، فإنْ لم يأتِ بالجرح في المُدَّة وأتى به بعْدَها، لم يرد الحُكْم عنه، وهذا يُشْعِر بأنه لا تُقبل البينة القائمة على الفِسْق بعْد ذلك، فلا ينقض الحكم الأول، وللأصحاب فيها طريقان:
أشْهَرهُما: أن المسألة على قولَيْن، وبه قال ابنُ سُرَيْجٍ.
أحدُهُما: أنه لا ينقض الحكم الأول، فإِن فسقهم إنَّما يعرف ببينة تقوم عليه