المال ليُوَلَّى ويجوز له بذْل المال بعد ما وُلِّيَ لئلا يُعْزَلَ.

والآخذ ظالم بالأخذ، وأمَّا بذل المال لعَزْل مَنْ هو ملابسٌ للقضاء؛ فإن لم يكنْ بصفاتِ القضاةِ، فهو مُستَحبٌّ لتخليص الناس منه، لكنَّ أخذه حرامٌ على الآخذ، وإن كان بصفات القضاة، فهو حرام، فإن فعل، وعزل الأول برشوة، وولى الباذل مكانه من غير رشوة، قال ابن القاصِّ: توليته باطلةٌ، والمعزولُ عَلَى قضائه؛ لأنَّ العزل بالرشوة حرامٌ، وتولية المرتشي الراشي حرامٌ، وليكن هذا محمولاً على الأصل الممهد في الشريعة، فأما عند الضرورات وظهور الفتن، فلا بدّ من تنفيذ التولية والعزل جميعاً كتولية الباغين.

والثالث: طرق الأصحاب مُتَّفِقَةٌ في تعيين الشخص للقضاء وعدم تعينه على النظر إلى البلد والناحية لا غير، وقضيته أَلاَّ يجب على من يصلُحُ للقضاء طَلَبُ القضاء ببلدة أخرَى لا صالح بها ولا قَبُولُه إذا وُلِّيَ ويجوز أن يُفَرَّقَ بينه وبين القيام بسائر فروض الكفايات المحوجة إلى السفر؛ كالجهاد وتعلم العلم، ونحوهما؛ بأنه يمكن القيام بتلك الأمور والعود إلى الوطن وعمل القضاء لا غاية له، فالانتقال له هجرة وتركٌ للوطن بالكلية.

وقوله في الكتاب: "وإن وُجِدَ مَنْ هو أصْلَحُ مِنْهُ، حَرُمَ الطَّلَبُ" إنما يظهر الحكم بحرمة الطلب مع الأصلح، إذا منعنا تولية المفضول، أما إذا جوزناها، فأظهر الوجهين على ما مرَّ؛ أنه يُكْرَهُ الطَّلَب، ولا يحرم، فيصح أن يُعلَم قوله "حرم" بالواو.

وكذلك قوله: "وفي القضاء تردد" يجوز أن يُعْلَم بالواو، لما بيَّنَّا أن الخلاف في القضاء مُرتَّب على الخلاف في الإمامة، والترتيبُ يفيد طريقةٌ قاطعةً بالجواز في القضاء، ويوضَّحه أنَّ الأصحاب -رحمهم الله- ربما احتجوا لقول انعقاد الإِمامة للمفضول؛ بأن القضاء ينعقد له، وإنما يصدر هذا الاحتجاج ممن يقطع بانعقاد القضاء له.

وقوله: "وكره الطلب إذا لم يكن به حاجةٌ إلى رزق" قضيته تعميم الكراهة، حيث لم يحتج إلى الرزق، لكنا بينا أن الخامل الذي لو ولى انتشر علمه، يُستحَب له الطلب، فلا بدّ من استثناء هذه الصورة.

واعلم أن نظم الكتاب مصرح بوجوب الطلب، إذا تعيَّن الشخصُ، للقضاء وبحرمة الطلب، إذا لم يتعيَّن، وكان غيره أصلح منه، وبالكراهية إذا كان مثله، وبالجواز إذا كان دونه، وإذا استوعبت الأحوال، تبين أنه متى يُكْرَه؟ ومتى لا يُكْرَه؟ فلا حاجة إلى قوله أولاً أخذه بطَلَب (?) فيه كراهية.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015