القبول، إذا قُلِّد، وفي الوجوب قولانِ قريبَانِ من الوجهين في أنَّه، إذا امتنع الكلُّ، هل يَجْبُر الإِمامُ أحدَهُم؟ والأظهر ههنا عدم الوجوب؛ لأنه قد يقوم به غيره، وأما الطالب فإن كان خامل الذكر، ولو ولي القضاء، لاشتهر وانتفع الناس بعلمه، فيستحب له الطلب، وإن كان مشهوراً ينتفع بعلمه، فإن لم يكن له كفاية ولو ولي، لصار مَكْفِيّاً من بيت المال.

فعبارة الشيخ أبي حامد والقاضي أبي الطيِّب والمعظم -رحمهم الله- أنه يستحبُّ له الطلَبُ أيضاً لينتفع به، وضايق بعضهم في الاستحباب هاهنا، واقتصر على نفي الكراهية، وعن القَفَّال أنه لا يُسْتحبُّ الطلب بحالٍ لظاهرِ حديثِ عبْدِ الرحمَنِ بْنِ سمُرة، والأظهر الأول، وإن كان مع الشهرة مَكْفِيّاً، فيكره له الطلب.

ومنهم من لا يُطْلِق لفْظَ الكراهية، ويقتصر على أن الأولَى ألا يطلب، والسببُ فيه ما مرَّ من التحذيرات، وكما يكره الطلب، والحالة هذه يكره القبول.

ولو قُلِّدَ من غير طَلَبٍ تفريعاً على القول بعَدَم الوجوب، وعلى ذلك ينزل امتناع السَّلَف كامتناع ابن عمر -رضي الله عنهما- لَمَّا استقضاه عثمان -رضي الله عنه-، وكهرب أبي قِلاَبَة والثَّوْرِيِّ وأبي حنيفة -رحمهم الله-.

ويروى أن الشافعيَّ -رضي الله عنه- أوصى المُزنيَّ -رحمهم الله- في مرض موته بأن لا يتولَّى القضاء، وعرض عليه كتاب الرشيد بالقضاء، وأنه لم يُجِبْه إليه، وانتهى امتناع أبي علي بن خيران، لما استقضاه الوزير ابن الفرات؛ حتى ختمت دوره بالطين أيَّاماً.

وإنْ كان هناك مَنْ هو دونه، فإن لم نجوز تولية المفضول، فهو كما لو تعيَّن، وإن جوزناه فيستحب له القبول، وفي الوجوب الوجهان، ويستحب له الطلب، إذا وَثِقَ بنفسه، وهكذا حيث استحببنا الطلب والتقليد أو أوجبناهما، فذلك عند الوثوق وغلبة الظن بقوة النفس، وأما عند الاستشعار، فينبغي أن يحترز، فإن أهم الغنائم حفظ السلامة، ثم اعْرِف ههنا أموراً:

أحدها: التفصيل الذي ذكرناه في الطلب، فيما إذا لم يكن في الموضع المطلوب قضاؤه قاضٍ، فإن كان فيه من يلابس القضاء، نظر، إنْ لم يكن مستحَقّاً بجور أو جهل، فالحكم كما لو لم يكن قاضٍ، وإن كان مستحقاً، والطالب يروم عزله، قال أقضى القضاة الماوَرْدِيُّ هذا الطَّلب محظور، والطالب بالتعريض له مجروح.

والثاني: حكم الطلب من غير بذل ما بَيَّنَّاهُ، فأما إذا بَدَل مالاً ليتولى، فإن ابن القاص وآخرين أطلقوا القول بأنه محظور، وبأن قضاءه مردود، والأشبه تفصيل أورده القاضي الرُّويانيُّ -الله- وهو أنه إن تعيَّن عليه القضاء، أو كان ممن يُستَحبُّ له القضاء، فله بذل المال، ولكنَّ الآخذ ظالمٌ بالأخذ، وهو كما إذا تعذَّر الأمر برحمه المعروف إلا ببذل مال، فإن لم يتعيَّن عليه، ولا هو ممَّن يُستَحبُّ له القضاء، فلا يجوز له بذل

طور بواسطة نورين ميديا © 2015