قَالَ الغَزَالِيُّ: الثَّانِيَةُ: لاَ بُدَّ للِقَاضِي مِنْ صِفَاتِ، وَهُوَ أَنْ يَكُونَ حُرّاً ذَكَرَاً مُجْتَهِداً (ح) بَصِيراً (م و) عَدْلاً بَالِغاً، فلاَ يَجُوزُ قَضَاءُ المَرْأَةِ وَالأَعْمَى وَالصَّبِيِّ وَالفَاسِقِ وَالجَاهِلَ وَالمُقَلِّدِ بَلْ يَنْبَغِي أَنْ يَسْتَقِلَّ بِالاجْتِهَادِ، وَالَّذِي يَجْتَهِدُ فِي مَذْهَبِ أَحَدِ الأَئِمَّةِ لَهُ الفَتْوَى عَلَى وَجْهٍ وَيَكُونُ مُقَلِّداً للإِمَامِ المَيِّتِ وَلاَ يَنْتَصِبُ لِلقَضَاءِ هَذَا هُوَ الأَصْلُ، فَإِنْ تَعَذَّرَتِ الشُّرُوطُ وَغَلَبَ عَلَى الْوِلاَيَاتِ مُتَغَلِّبُونَ فَسَقَةٌ، فَكُلُّ مَنْ وَلاَّهُ صَاحِبُ شَوْكَةٍ نَفَذَ حُكْمُهُ لِلضَّرُورَةِ كَمَا يَنْفُذْ حُكْمُ البغَاةِ وإن لَمْ يَصْدُرُ عَنْ رَأَي الإمَامِ، وَالظَّاهِرُ أَن قَضَاءَ الأُمِّيِّ الَّذِي لاَ يَكْتُبُ جَائِزٌ.

قَالَ الرَّافِعِيُّ: مقصود المسألة بيانُ الصفاتِ المشْرُوطة في القضاء، وقد تخلَّلها كلام في الفتوى، ونحْن نأتِي بفَصْلٍ من صفات القاضي وآخر بما يتعلَّق بالفتْوَى.

أما الفصل الأول، فإحْدَى الصَّفَات المشرُوطَة في القاضي الحرية؛ فلا يَصْلُح الرقيقُ للقَضَاء، قِنّاً كان، أو غَيْر قِنٍّ؛ لأنه ناقص، ولأنه لا يَتفرَّغ له.

والثانية: الذكورة، وقال أبو حنيفة يجوز أن تكون امرأةٌ قاضيةً فيما يُقْبَل شهادتها فيه. لنا: ما رُويَ أنه -صلى الله عليه وسلم- قال: "لَنْ يُفْلِحَ قَوْمٌ وَليَتْهُمُ امْرَأَةٌ" (?) ولأنه لا يليق بحالها مجالسة الرجال، ورفع الصوت بينهم، ولا بدّ للقاضي من ذلك.

والثالثة: أهليَّة الاجْتهَاد، فلا يجوز تَوْلية الجَاهِل بالأحكام الشرعيَّة، وطرقها المحتاج إلى تقليد غيره لما روِيَ أن النبيَّ -صلى الله عليه وسلم- قال: "الْقُضَاةُ ثَلاثةٌ؛ وَاحِدٌ فِي الْجَنَّةِ، واثْنَانِ فِي النَّارِ، فَالَّذِي فِي الْجَنَّةِ رَجُلٌ عَرَفَ الحَقَّ فَقَضَى به، واللَّذَانِ فِي النَّارِ رَجُلٌ عَرَف الْحَقَّ فَجَارَ فِي الْحُكِمْ، وَرَجُلٌ قَضَى لِلنَّاسِ عَلَى جَهْل" (?) وعند أبي حنيفة: يجُوز تَوْلِيَةُ العَامِّيِّ، ثم هو يَسأل أهل العلْم ويقضي، واحتج الأصحاب عليه بأنه لا يَجُوز الفتوى بالتقليد، فكذلك القضاء، وبل أولى؛ لأنَّا نعتبر في القضاء ما لا نعتبر في الفتوى وعلى ما سيظهر.

وإنما تحصل أهلية الاجتهاد بالعلْم بأمور:

أحدها: كتاب الله تعالى جَدُّه ولا يُعتبر العلْم بجميعه، بل ما يتعلَّق منه بالأحكام، ولا يُشتَرَطُ حفظه عن ظهر قلب، ومن الأصحاب من ينازع ظاهِرَ كَلاَمِه فيه.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015