والأكثرون حملوا الحديث على حالة عدم التعيين، وحكموا بالإِجبار؛ لأن الناس مضطرُّون إلَى علمه ونظره، فأجبر على البذل كما يجبر المالك على بذل الطعام للمضطرِّ، وكما يجبر على القيام بسائر فروض الكفايات عند التعيين.

وربما تردد الناظر في الأخبار من جهة أن الامتناع من هذا الفَرْضِ الذي هو مناط المصالح العامة بعدما يعين يشبه أن يكون من الكَبَائِر، وحينئذٍ، فيُفَسَّق به، ويخرج عن أهلية القضاء، لفوات شرط العدالة، فكيف يولَّى ويجبر على القبول، ويمكن أن يكون المراد أنه يؤمر بالتوبة أولاً فإذا تاب يُولَّى (?).

الحالة الثانية: ألا يتعين بل يكون هناك غيره ممن يَصْلُح للقضاء، فذلك الغير؛ إما أن يكون أصلح وأولَى منه، أو يكون مثله، أو دونه، إن كان أصلح، فيرتب على أن الإِمامة العظمَى، هل تنعقد للمفضول؟ وفيه قولان للمتكلِّمين والفقهاء:

أحَدُهِما: المنعُ، رعايةً لزيادة الفضيلة.

وأصحُّهُما: الانعقادُ؛ لأن تلك الزيادة خارجةٌ عن حدِّ الإِمامة، فأشبه إمامة الصلوات وسائر المناصب الدينية، والقضاء أولَى بأن يجوز تفويضه إلى المفضول؛ لأن الغائب بِتَولِّي المفضولِ الإمامةَ لا يُتَدَارك، والغائب في القضاء يُتَدَارك بنظر من فوقه من الولاة، فإن لم نجوز للمفضول القضاء، حرمت توليته، وحرم عليه الطلب والقبول، وإن جوزناه، جاز القبول (?)، وأما الطلب، فيكره أو يحرم فيه وجهان منْقُولاَن في "الوسيط":

أظهرهما، وهو المذكور في "التهذيب": الاقتصار على الكراهة، فإذا كان الأصلح لا يتولى القضاء، فهو كما لو لم يوجدِ الأصلحُ، وإن كان هناك مِثْلُه، فله

طور بواسطة نورين ميديا © 2015