وجعل صاحب الكتاب الثَّانِيَ أظْهَرَ وحكاه القاضي الرويانيُّ عن المجموع وعده غلطاً، هذا في الحج، وأما العمرة، فليس لها إلا تحلل واحد فيمشي إلى أن يتحلَّل؛ والقياس أنه إذا كان يتردَّد في خلال أعمال النسك؛ لغرض تجارة وغيرها، فله أن يركب ولم يَذْكُرُه.

الثالثة: لو فاته الحج، لزمه القضاء ماشياً، ثم من المعلوم أن من فاته الحج يحتاج إلى لقاء البيت، ويتحلَّل بأعمال العمرة، فهل يلزمه المشْيُ في تلك الأعمال؟ فيه قولان:

أحدهما: وهو المنصوص في "الأم": نعم؛ لأن هذه الأعمال لزمته بالإِحرام ماشياً، ومبنى الحج على إتمام ما يقع الشُّرُوع فيه بصفاته، وهذا أصحُّ عند القاضيين، الطبريِّ والرويانيِّ -رحمهما الله-.

والثاني: لا؛ لأنه خَرَجَ بالفوات عن أن يكون حجة المنذور، ولذلك وجب القضاء، وإذا خرج عن أن يكون منذوراً، وجب ألا يلزم فيه المشْيُ، وهذا أظهر عند أبي حامد والقفَّال، والصيدلانيِّ والإِمام وغيرهم -رحمهم الله-.

ولو فسد الحج بعد الشروع فيه، فهل يجب المشْيُ في المضي في الفاسد؟ فيه مثل هذا الخلاف، وإطلاق صاحب الكتاب الوجهين في المسألة اتِّبَاعٌ للإِمام، وهي مشهورةٌ بالقولين. وقوله: "ثم يلزم قضاء الحجة المنذورة" أي ماشياً، أما أصل القضاء، فهو أوضح من أن يحتاج إلى ذكره.

الرابعة: لو ترك المشْيَ بعذر؛ بأن عجز عنه فحج راكباً، وقع حجة عن النذر، وهل عليه جبر المشي الفائت بإراقة دم؟ فيه قولان:

أحدهما: لا، كما لو نذر؛ أن يصلِّيَ قائماً، فعجز، فصلَّى قاعداً، لا شيء عليه.

وأصحهما: على ما ذكره الإِمام، وصاحب "التهذيب": نعم؛ لما رُوِيَ أن أختَ عُقْبَةَ (?) بْنِ عامِرٍ نَذَرَتْ أن تحُجَّ مَاشيةً، فَسُئِلَ رسولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- فقيل: إنَّهَا لاَ تُطِيقُ ذَلِكَ فقال: "فَلْتَرَكْبُ وَلْتُهْدِ هَدْياً" (?) وليس كالصلاة، فإنَّه لا مدخل للجبر فيها بالمال، وعلى هذا، فما الذي يلزم؟.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015