أحدهم شيء قليل، فيكيفيه أن يتصدَّق بدانقٍ وما دونه مما يُتموَّل، هكذا ذكر حكماً وتوجيهاً، وإنما يستمر هذا التوجيه على قولنا بتاثير الخُلْطة في النقود، ثم لك أن تقول: إذا حمَلْنا المطْلَقَ على الواجِب، فإنما نحمله على أقلِّ واجب من ذلك الجنس، والأقل من الصدقة غيرُ مضبوطٍ جنساً، وقدراً، بل الأموالُ الزكاتِيَّةُ مختلفةُ الجنس، وليس لواجبها قيمةٌ مضبوطةٌ وصدقة الفطر أيضاً واجبةٌ، وليس لها قيمة مضبوطة، فامتنع إجراء هذا القول في الصدقة، وتعيَّن اتَّباع اللفظ.
ومنها: إذا نذر أن يعتكف، وليس في جنس الاعتكاف واجبٌ بالشرع، وقد سبق في بابه ذكر وجهين في أنه هل يُشْتَرَطُ فيه اللبثُ أم الدخول في المسجد مع النيةِ اعتكافٌ شرعاً، والظاهر الأولُ، وحينئذٍ، فلا بدّ من لُبْثٍ، ويخرج عن النذر باللبث ساعةً، ويُستحبُّ أن يمكث يوماً، وإن اكتفينا بالدخول مع النية، ففيه تردُّدٌ للإِمام -رحمه الله-:
أحد الاحتمالين: أنَّهُ يُشْتَرَطُ اللبث؛ لأن لفظ الاعتكاف يشعر به.
والثاني: المنعُ؛ حملاً للفظ على حقيقته شرعاً.
ومنها: إذا نذر إعتاقَ رقبةٍ، فإن نزلنا المطلق على الواجب، فعليه إعتاق رقبةٍ مؤمنة، تجزئ في الكفارة، وبهذا قال أبو إسحاق -رحمه الله- وإن نزلناه على ما يجوز، خرج عن نذره بإعتاق كافرة أو معيبة، قال الداركيُّ: والصحيح الأول، وهو قضية ما رجّح في نذر الصلاة؛ أنه يلزمه ركعتان، ويؤيِّده ما نقل عن "الأم" أنه يجزئه أي رقبة أعتق إلا أن تكونَ كافرةً، لكن ذكر في "المختصر" بعدما أوجب ركعتين في نذر الصلاة، أنه لو نذر عتق رقبة؛ فأيَّ رقبةٍ أعتق أجزأه، والجوابان لا يتلاءمان فقيل: لعله ذكر مسألة العتق في موضع آخر تفريعاً على القول الآخر، فجمع المُزَنِيُّ بينهما، ومنهم من أوَّل، وقال: المعنى أي رقبة تجزئ في الكفارة، ولو قَيَّد، فقال: لله عليَّ أن أعتق رقبةً مؤمنةً سليمة، لم يجزه الكافرةُ والمعيبةُ لا محالة، ولو قال: كافرة أو معيبة، لم يلزمه المؤمنةُ والسليمةُ، ولو أعتق مؤمنةً أو سليمةً، ففيه وجه: أنه لا يجزئ، والأصحُّ خلافه؛ لأنه أتى بما هو أفضل، وليس ذكر الكفر والعيب للتقرُّب، بل لجواز الاقتصار على الناقص، فصار كما لو نذر أن يتصدَّق بحنْطَةٍ رديئة يجزئُهُ أن يتصدَّق بالجيدة، ولو قال: عليَّ أن أعتق هذا العبد الكافر أو المَعِيبَ، لم يُجْزِه غيره، وإن كان خيراً منه، لتعلَّق النذر بعينه.
قَالَ الغَزَالِيُّ: وَلَوْ نَذَرَ صَوْمَ شَهْرٍ مُتَفَرِّقاً لَمْ يَلْزَمِ التَّفْرِيقُ، وَلَوْ عَيَّنَ يَوْماً للِصَّوْمِ تَعَيَّنَ فِي أَحَدِ الوَجْهَيْنِ، وَلَوْ شَرَطَ التَّتَابُعَ فِي صَوْمِ شَهْرٍ مُعَيَّنِ لَمْ يَجِب التَّتَابُعُ فِي قَضَائِهِ