يمين، أكل أو لم يأكل، بمجرَّد لفظه، وهذا لا يتحقَّق ثبوته، والمشهور في كيفية الخلاف ما قدمنا.
وقوله: "إلا أن ينوي به اليمين" أراد ما حكيناه عن الإِمام؛ أنه يجوز أن يجعل كناية عن اليمين، ويَبْعُدُ أن يجعل يميناً على الإِطْلاق، ثم ختم الفصل بفرع؛ وهو أنه إذا نذر الجهاد في جهة عيَّنَها، هل تتعيَّن تلك الجَهة، وفيه ثلاثةُ أوجه.
قال صاحبُ "التلخيص": يتعين؛ لأن الجهادَ يختلفُ باختلاف الجهات من جهةِ قُرْبِ المسافة وبعدها، ووعورة الطريق وسهولته، وقوة العَدُوِّ وضعفه.
قال الشَّيْخُ أبو زَيْد: لا يتعيَّن، ويجوز أن يجاهد في جهة هِيَ أَسْهَلُ وأقْرَبُ من الجهة المعينة.
وعن الشيخ أبي علي، وهو الأعدل: أن تلك الجهة لا تتعيَّن، ولكن التي يجاهد فيها ينبغي أن تكون مساوياً للمعيَّنة في المسافة والمؤنة، ويجعل مسافات الجهات كمسافات المواقيت في الحجِّ.
فُرُوعٌ: يُشْتَرَطُ في نذْر القربة المالية، كالصدقة والتضحية والإِعتاق أن يلتزمها مرسلَةً في الذمة أو يضيف إلى معيَّن يملكه، أما إذا كان المعيَّنُ لغيره، لم ينعقد نذره؛ لما رُوِيَ أنه -صلى الله عليه وسلم- قال "لاَ نَذْرَ فِي مَعْصِيَةِ اللهِ، وَلاَ فِيمَا لاَ يَمْلِكُهُ ابْنُ آدَمَ" رُوِيَ أنَّ المشركين استاقُوا سرح المدينة، وفيه العَضْبَاءُ ناقةُ رسُولِ الله -صلى الله عليه وسلم- فأسَرُوا امرأة من الأنصار، فلما ناموا، قامَتْ، ورَكِبَتِ العضباء، ونذَرَتْ، لَئِنْ نجَّاها اللهُ عَلَيْها، لتَنْحَرَنَّها، فلما أتَتِ المدينة، أُخْبِرَ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بذلك فأخذ النَّاقَةَ وقال "لاَ نَذْرَ فِيمَا لاَ يَمْلِكُهُ ابْنُ آدَمَ" (?) وذكر في "التتمة": أن في لزوم الكفارة بهذا النذْرِ وجهين:
أظْهَرْهُمَا: المنعِ؛ لأن النبيَّ -صلى الله عليه وسلم- لم يأمر الأنصاريَّةَ بالتكفير، وأنه لو قال: إن مَلَكْتُ عبداً، فللَّه عليَّ أن أعتقه، انعقد نذره؛ لأنه التزم قربة في مقابلة نعمة، وهي حُصُول الملك، وأنه لو قال: إن ملكتُ عبد فلانٍ، فلله عليَّ أن أعتقه فقولان:
أشبهُهُما: أن الجوابَ كَذَلِكَ.
والثاني: لا ينعقد؛ لأنه تصرُّفٌ في معيَّنٍ، فلا ينفذ قبل الملك، هذا إذا قصد الشكر على حصُولِ المِلْك، فإن قصد الامتناع من تملُّكه، فهو من قبيل نذر اللَّجَاج، وأنه لو قال: إن شفى اللهُ مريضي، وملكْتُ عبداً فلله علَيَّ أن أعتقه، صح؛ لأنه التزم قربةً في مقابلة نعمتَيْنِ، وفي معناه ما إذا قال: إن شفَى الله مريضي، فلله عليَّ أن (?)