جنسها في الشرع، كالصوم والصلاة والإِعتاق وغيرها فيلزم بالنذر وأدرجوا الاعتكاف في هذه الجملة، وان لم نوجبه بالشرع ابتداءً، بأن قالوا: الاعتكاف لُبْثٌ في مكان بنية القربة، ومن جنسه ما هو واجبٌ شرعاً، وهو الوقوف بعرفات، وإن لم يَكُنْ في جنسها واجبٌ شرعاً؛ كعيادة المرضى وتشميت العاطس وتشييع الجنائز، ففي لزومها بالنذر وجهان، وذكر أبو سعْدٍ المتولِّي أن الوجهين ينبنيان علَى أن مُطْلَق النذر يحمل على أقلِّ ما يُتَقَرَّب به أو علَى أقل ما يجب في الشرع من جنس الملتزم، وسيأتي -إن شاء الله تعالى- هذا الأصل، فإن قُلْنا: بالأول، لزمت القرباتُ كلَها بالنذر، وإن قلنا بالثاني، فما لا يجب جنسه بالشرع، لا يجب بالنذر.
القسمُ الثالثُ: المباحاتُ التي لم يَردْ فيها استحبابٌ وترغيبٌ، كالأكل والنوم والقيام والقعود، فلو نذر فعْلَها أو تركَها, لم ينعقد نذره، رُوِيَ عن ابن عباس -رضي الله عنه- قال: "بَيْنَمَا رَسُولُ اللهِ -صلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَخْطُبُ، إِذَا بِرَجُلٍ قَائِمٍ فِي الشَّمْسِ، فَسَأَلَ عَنْهُ، فَقَالُوا أَبُو إسْرَائِيلَ نَذَرَ أَنْ يَقُومَ، وَلاَ يَقْعُدَ وَلاَ يَسْتَظِلَّ وَلاَ يَتَكَلَّمَ وَيَصُومَ، فَقَالَ النبيُّ -صلى الله عليه وسلم- مُرُوءُ، فَلْيَتَكَلَّمْ، وَلْيَسْتَظِلَّ وَلْيَقْعُدْ، وَلْيُتِمَّ صَوْمَهُ" (?)، وعن أحمدَ -رحمه الله- أنه ينعقد نذْرُ المُبَاح، ويتخيَّر الناذر بين الوفاء والكفارة، قال الأئمة: وقد يُتصوَّر أن يقصد بالأكل التقوِّي على العبادة، وبالنوم النشاط عند التهجد، فينال الثواب، لكنَّ الفعل غَيْرُ مقصود، والثواب يحصل بالقصد الجميل، وهل يكون نذر المباح يميناً، حتى تجب الكفَّارة، إذا خالف فيه ما ذكرناه في نَذْرِ المعاصِي والمفروضات؛ ونَقَلَ الإِمامُ أن القاضي الحسين قَطَعَ بوجُوبِ الكفَّارة في المباحات، وذكر في نذر المعاصي وجهَيْن، وأنه علق الكفَّارة باللَّفْظ من غير حنث، وهذا ما ذكر صاحبُ الكتاب، حيث قال: نعم، إذا قال: لله علَيَّ ألاَّ اكل، فقد قيل: يجب كفارة