في التعليق: حتى آذَنَ لكِ؛ لأنه جعل إذنه غاية اليمين، وقد حَصَلَ الإِذن، فأما إذا قال: بغير إذني أو إلا بإذني، فإذا رجع، ثم خرجَتْ، فهذا خروجٌ بغَيْر إذن، وهو أول ما وُجِدَ، بعد اليمين، فينبغي أن يقع الطلاق، ومنهم من قال: قوله "إلا بإذني" محتمل للغاية أيضًا، فيحمل عليها.
ولو قال: إن خرجت بغير إذني لغير عبادةٍ فأنتِ طالقٌ، فخرجتْ لعبادةٍ، ثم عرضَتْ حاجةٌ، فاشتغلت بِهَا، لم تطلَّق، وإنْ خرجَتْ لعبادة وغيرها، فالمذكور في "الشامل" والمنسوب إلى نصِّه في "الأم": أنه لا يحنث، وذكر صاحب "التهذيب" أنه الأصح، ويشبه أن يُقَالَ: إن كان المقصودُ من قوله "لغير عبادة" ما هو بمَعْزِلٍ عن العبادة، فلا يحنث، وهذا هو السابق إلى الأفهام منه، وإن كان المقصود ما يغايرُهُ في الحقيقة، فمجموعُ العيادة والحاجة الأخرَى يغاير مجرَّد العبادة، ولو قال: إن خرجْتِ لا لعيادةٍ، فينبغي أن يحنث؛ لأنه يصْدُقُ أن يُقَالَ: لم تخرج للعيادة، وإنما خرجتْ لها ولغَيْرِها (?).
قَالَ الغَزَالِيُّ: النَّوْعُ الخَامِسُ فِي الكَلامِ: وَلَوْ قَالَ: وَاللهِ لاَ أُكُلِّمْكَ فَتَنَحَّ عَنِّي حَنِثَ بِقَوْلِهِ: تَنَّحَ عَنِّي، وَكَذَا لَوْ شَتَمَهُ، وَلَوْ كَاتَبَهُ لَمْ يَحْنَثْ، وَلا يَحْنَثُ بِالإِشَارَةِ المُفْهِمَةِ، وَلَوْ حَلَف عَلَى المُهَاجَرَةِ فَفِي المُكَاتَبَةِ تَرَدُّدٌ، وَلَوْ حَلَفَ لا يَتَكَلَّمْ حَنِثَ بَتَرْدِيدِ الشِّعْرِ مَعَ نَفْسِهِ، وَلا يَحْنَثُ بِالتَّهْلِيلِ وَقِرَاءَةِ القُرآن، وَلَوْ قَالَ لأُثْنَيَّنَ عَلَى اللهِ تَعَالَى بِأَحْسَنِ الثَّنَاءِ فَلْيَقُلْ: لا أُحْصِي ثَنَاءً عَلَيْكَ أَنْتَ كَمَا أَثْنَيْتَ عَلَى نَفْسِكَ، وَلَو حَلَفَ لا يُصَلَّي ثمَّ تَحَرَّمَ بِالصَّلَاةِ حَنِثَ وَإِنْ أَفْسَدَهَا بَعدَ ذَلِكَ، وَفِيهِ وَجْهٌ أَنَّهُ لا يَحْنَثُ إلاَّ بِصَلَاةٍ تَامَّةٍ.
قَالَ الرَّافِعِيُّ: فيه مسائل:
إحدَاها: إذا قال: واللهِ، لا أكلمك، فتنح عني، أو قم أو اخرج، أو شتمه، أو زجره، حَنِثَ، سواءٌ عقَّب اليمين بشيء منها على الاتصال أو لا على الاتصال؛ لأنه قد كلمه بها، وقال أبو حنيفة: لا يحنث بها، إذا وصلها باليمين؛ لأن المقصود من مثله تأكيدُ اليمين، وهو وجه للأصحاب، قال صاحِبُ "البيان": الوجهان كوجهين ذكرناهما