راجْعَتُ غَيْرَ واحدٍ مِنْ عِلْيَةِ أصحابنا في تعْلِيلِ هذه المسألة، فلَمْ أظفرْ بمَقْنَعٍ، وعلَّل مِنْ عنده بأنَّ هذه اليمين لها جهةُ برٍّ، وهي الخروج بالإِذن، وجهة حنثٍ، وهي الخروج بغير إذن؛ لأن الاستثناء يقتضي النفي والإِثبات جميعًا، وإذا كانت لليمين جهتان، ووجدت إحداهما تنحل اليمين؛ ألا ترى أنَّه لو حلف، لا يدخل الدار أو ليأكلَنَّ هذا الرغيف، فإنه، إن لم يدخُلِ الدار في ذلك اليوم، يَبرُّ، وإن لم يأكلِ الرغيفَ، وإن أكل الرغيف ينحل اليمين، حتى لا يحنث، وإن دخل الدار في ذلك اليوم، ثم مَنْ وجَّه بالوجه الأول، عذر عن مسألة الحرير، بأن هناك المقصود أن يمنعها لُبْس الحرير في وقْتِ الخُرُوج، والخُروج الأول والثاني في ذلك سَوَاءٌ، وهذا عذْرٌ ضعيفٌ ومَنْ وجَّهه بالثاني، قال: اليمين في تلك الصورة لم تشتمل على جهتين، وإنما عُلِّقَ الطلاقُ بخروجٍ مقيَّدٍ، فإذا وجد وقع الطلاق، وذكر صاحب "التهذيب": أن قضيَّة هذا أنه لو قال: إن خرجْتِ من الدَّارِ غير لابسة للحرير أو إلاَّ لابسةً، فأنتِ طالقٌ، فخرجت لابسة تُحلُّ اليمين، وهذا ينازع فيما حَكَى صاحبُ الكتاب أنه لو قال: إن خرجْتِ بغير خُفٍّ، فأنتِ طالقٌ، فخرجَتْ بخُفٍّ، لا ينحل اليمين؛ لأنه اجتمع فيه النفي والإِثبات، وفرق في "الوسيط" بين مسألة الإذْنِ ومسألة الخُفِّ؛ بأن مقصود الزوج إلزامُهَا التَّخَدُّر، وإذا أَذِنَ لها في الخروجِ مرةً، فقد دفع ذلك التخدُّرَ بنَفسه، فالخروجُ بعد ذلك لا يتناولُهُ اليَمينُ، ولا يخفى أن هذا الفرْقَ ضعيفٌ، وأن التسوية بين الصورتين قويةٌ كما في "التهذيب".

وليعلم لذلك قوله "لم ينحل اليمين" بالواو.

ولو قال "كلما خرجت أو كلَّ وقتٍ خرجْتِ بغير إذْنِي، فأنتِ طالقٌ، فخرجتْ مرةً بالإِذْنِ، لم ينحل اليمين" لأن هذه الصيغةَ تقتضي التَّكْرارَ، فلو قال: أذنْتُ لكِ في الخروج، كلما أردتِّ، أغناه ذلك عن تجديد الإِذن لكل خَرْجَةٍ، ولو قال: متى خرجْتِ أو متَى ما أو مَهْما أو أيَّ وقتٍ أو أيَّ حينٍ، فالحكم كما لو قال: إن خرجْتِ، وهذه الصيغ لا تقتضي التَّكْرَارَ، وفي "الرقْم" للعباديِّ: إلحاق "متى" و"ما" و"مهما" بـ"كلما" نصه في "الأم"، ولو قال: إن خرجت أبدًا (?) إلاَّ بإذني، فأنتِ طالق، لم يلزم التَّكْرار أيضًا والمعنى في أيِّ وقتٍ خرجْتِ قريبٍ أو بعيدٍ، وإذا علَّق الطلاق، كما صورنا، ثم إنه أذِنَ لها في الخروج، ثم رجع عن الإِذن، وخرجَتْ بعده، فعن نصِّه في "الأم" أنَّها لا تُطلَّق؛ لأن الإِذْنَ قد وُجد فزال حكم اليمين، ثم المنع بعد ذلك لا يفيده، ورأى أبو بكر الفارسيُّ والمحقِّقُون -رحمهم الله- تَنْزِيلَ النصِّ عَلَى ما إذا قال

طور بواسطة نورين ميديا © 2015