فيما إذا قال لامرأته: إن كَلَّمْتُكِ، فأنْتِ طالقٌ، فاعلمي ذلك، ولو كتب إليه كتابًا أو أرسل رسولاً، ففيه قولان:

الجديد، وبه قال أبو حنيفة واختاره المُزنِيُّ أنه لا يحنث؛ لأنه لا تُنَسَّى المكاتبةُ والمراسلةُ كلامًا، بل يصح أن يُقَالَ: ما كلمه، وإنَّما كاتبه وراسله.

والقديم، وبه قال مالكٌ وأحمدُ: أنه يحنث لقوله تعالَى: {مَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلاَّ وَحْيًا أَوْ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ أَوْ يُرْسِلَ رَسُولًا} [الشورى: 51] استثنى الرسالة من التكليم، ومنهم مَنْ قطع بالقول الأول، وحمل ما نقل عن القديم علَى ما إذا نوى في يمينه المكاتبة والمراسلة، ومن خصَّص الخلاف بحال الغَيْبَةَ، وقال: إذا كان معه في المجْلِس، لم يحنث، إذا كتب إليه رقْعةً، والظاهر إثباتُ الخلاف عَلى الاِطلاق، وأحرى القولان في الإِشارة بالرأس والعين، واستدل للقديم بقولِهِ تعالَى: {آيَتُكَ أَلَّا تُكَلِّمَ النَّاسَ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ إِلاَّ رَمْزًا} [آل عمران: 41] من التكليم، وللجديدِ بقوله تعالَى: {إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمَنِ صَوْمًا فَلَنْ أُكَلِّمَ الْيَوْمَ إِنْسِيًّا} [مريم: 26] {فَأَشَارَتْ إِلَيْهِ} فلو كانت الإِشارةُ كلامًا، لامتنعتْ منها، ولا فَرْق على الجديد بين اختياره إشارة الناطق والأخرس، إنما أُقِيمَتْ إشارة الأخرس في المعاملات مُقَام عبارة الناطق للضرورة (?) واحتج المُزِنيُّ للقول الذي اختاره بأن إثْمَ المهاجرة المحرَّمة بين المسلمين على ما قال -صلى الله عليه وسلم- "لا يَحِلُّ لِمُؤْمِنٍ أَنْ يَهْجُرَ أَخَاهُ فَوْقَ ثَلاثٍ" (?) لا يرتفع بالكتابة، ولو كان ذلك كلامًا، لارتفع، وأُجِيبَ عنه بأن مواصلتهما قبل الهجرة إن كانت بالكتابة والرسالة، فيرتفع الإِثم بها، وإلا، فإنْ تعذَّر الكلام لغيبة أحدهما عن الآخر، فكذلك، وإلاَّ، ففيه وجهان: بناءً على القولَيْن القديم والجديد، حتى لو حلف على أن يهاجر فلانًا، فهل يحنث بالمكَاتَبةِ والمراسلة؟ فيه هذا الخلاف، وإلى هذا يرجع قوله في الكتاب ولو حلف على المهاجرة ففي المكاتبة تردد وعن ابن أبي هريرة إطلاقُ القَوْلِ؛ بأن إثم المهاجرة يرتفعُ بالمكاتبة والمراسلة، ولا يَخْفَى أن المكاتبة، إنَّما ترفع الإِثم، إذا خلت

طور بواسطة نورين ميديا © 2015