وَبِالْخَالِقِ وَالرَّازِقِ وَمَا يُطْلَقُ عَلَى غَيْرِ اللهِ صَرِيحٌ، وَلَوْ قَالَ: أَرَدتُّ باللهِ وَثَقْتُ بِاللهِ ثُمَّ ابْتَدَأْتُ لأَفْعَلَنَّ لَمْ يُقْبَلْ ظَاهِرًا، وَفِي التَّدَيّنِ خِلاَفٌ، وَلَوْ قَالَ: بِالجَبَّارِ وَالرَّحِيمِ وَالحَقِّ وَالعَلِيمِ وَالحَكِيمِ وَمَا يُطْلَقُ عَلَى غَيْرِ اللهِ أَيْضًا فَهُوَ كِنَايَةٌ، وَكَذَا قَوْلُهُ: وَحَقّ اللهِ وَحُرمَةِ اللهِ، وَلَوْ قَالَ: وَقُدْرَةِ اللهِ وَعِلْمِهِ وَكَلاَمِهِ فَهُوَ كِنَايَةٌ عَلَى أَحَدِ الوَجْهَيْنِ إِذْ يرَادُ بالقُدْرَةِ المَقْدُورُ، وَهَذَا الوَجْهُ فِي قَوْلِهِ وَجَلاَلِ اللهِ وَعَظَمَتِهِ وَكِبْرِيَائِهِ أَبْعَدُ، وَلَوْ قَالَ: بِلَّهِ عَلَى قَصْدِ التَّلْبِيسِ وَهِيَ الرُّطُوبَةُ فَلَيْسَ بِيَمِينٍ، وَإِنْ نَوَى اليَمِينَ انْعَقَدَ وَحُمِلَ حَذْفُ الأَلَفِ عَلَى اللَّحْنِ، وَلَوْ قَالَ: بِالشيءِ وَالمَوْجودِ وَأَرَادَ بِهِ الإلهَ سبْحَانَهُ فَلَيْسَ بِيَمِينٍ، وَكَذَا كُلُّ مَا لاَ تَعْظِيمَ فِيهِ.
قَالَ الرَّافِعِيُّ: ومن القيود التي يشتمل الضابط المذكور عليها قولهُ: "بذكْرِ الله أو صِفَتِهِ" ويخرج به صورتان:
إحداهما: الحلف بالمخلوق مكروهٌ؛ كالنبيِّ والكعْبة وجبريل والصحابة والآل؛ رُوي أنه -صلى الله عليه وسلم- قَالَ: "لاَ تَحْلِفُوا بِآبَائِكُمْ وَلاَ بِأُمَّهَاتِكُمْ وَلاَ تَحْلِفُوا إِلاَّ بِاللهِ" (?) وأنَّ النبيَّ -صلى الله عليه وسلم- أَدْرَكَ عُمَرَ بْنَ الخطَّاب -رضي الله عنه- وَهوَ يَسِيرُ فِي رَكْبٍ فَسَمِعَهُ يَحْلِفُ بأبيهِ، فَقَالَ: "إِنَّ اللهَ يَنْهَاكُمْ أَنْ تَحْلِفُوا بِآبَائِكُمْ، فَمَنْ كَانَ حَالِفًا، فَلْيَحْلِفْ بِاللهِ، أوْ لِيَصْمُتْ" (?) قال عمر -رضي الله عنه- "فَمَا حَلَفْتُ بِهَا بَعْدَ ذَلِكَ ذَاكِرًا وَلاَ آثَرًا" أي: حاكيًا عن غيري، قال الشَّافعيُّ -رضي الله عنه- وأخشَى أن يكونَ الحَلِفُ بغيْرِ اللهِ معصيةً، قال الأصحاب -رحمهم الله-: أي محرمًا مأثومًا به وأشار إلى التردُّد فيه، قال الإِمام: الأصح القطْعُ بأنه ليس بمحرم والاقتصار على الكراهية، ومن حَلَف بغير الله، لمَ ينعقد يمينه، ولم تتعلَّق الكفَّارة بالحنث فيه خلافاً لأحمدَ في الحَلِفِ بالنبيِّ -صلى الله عليه وسلم- خاصةً.
لنا: القياسُ على ما سلمه، قال لأصحاب: ولو أن الحالف بغَيْر الله تعالَى اعتقد في المحْلُوف به من التعظيم ما يعتقده في الله تعالَى كَفَر، وعلى ذلك يحمل ما رُوي أنه -صلى الله عليه وسلم- قَالَ: "مَنْ حَلَفَ بِغَيْرِ اللهِ، فَقَدْ كَفَر" (?) ويُروَى "فَقَدْ أَشْرَكَ" (?) ولو سَبقَ لسانهُ