أحدهُما: القطعُ بأنه يحنث، ثم من هؤلاء، مَنْ حمل مرويَّ الربيع على ما إذا لم يَحْصُل اليأس عن معرفة مشيئته، ومنهم مَنْ قال: إنَّه مرجوعٌ عنه، لكن الربيعَ لم يتحقَّقه.
والثاني: أن فيهما قَولَيْن بالنقل والتخريج:
أظهرهُما: أنه يحنث؛ لأن اليمين معقودةٌ على الدخول أو تركه، ومخالفة المحلوف عليه تقتضي الحنث إلا أن مشيئة زَيْد مخرجةٌ له عن الحنث، فإذا لم يعلم حصولها، ثبت الحنث.
والثاني: لا يحنث؛ لأن الأصل براءةُ الذمَّة، وقد شككنا في حصول الحنث، كشكنا في حُصُول المشيئة، فلا نوجب الكفَّارة بالشكِّ، واعلم أن الصورة الثانية مذكورةٌ في الكتاب في آخر "كتاب الإيمان" ونعودُ إليها -إن شاء الله تعالى-.
ولو قال: واللهِ، لأدخلن، إن شاء فلانٌ أن أدخلَها، فههنا اليمين معلَّقةٌ بالمشيئة، فلا ينعقد قبل المشيئة، ولا حكم للدخول، فإذا حصلت المشيئة، انعقدت اليمين، فإن دخل، بَرَّ، وإلا، حنث، ويُنْظر؛ أَقَيَّدَ الدخول بزمان أو أَطْلَق، وعند الإِطلاق عمره وقت الدخول، فإن مات، حكمنا بالحنث قبيل الموت، وإن شاء فلان ألا يدخل أو لم يشأ شيئاً أو لم تُعرفْ مشيئته، فلا حنث؛ لأن اليمين لم تنعقد، وكذلك لو قال: والله، لا أدخل هذه الدار إن شاء فلان ألا أدخلها، فإنما ينعقد يمينه، إذا شاء فلان ألا يدخلها، والله أعلم.
وقوله في الكتاب "وهو قول العرب" يجوز أن يعلم مع الحاء والميم والألف بالواو؛ لأن في كتاب ابنِ جج أنَّ ابنَ سُرَيْجٍ قال: يُحْتمِل أن يكونَ لغْوُ اليمين عند الشَّافعيِّ -رضي الله عنه- عبارةً عما إذا حلف على شيْءٍ يظنه، فتبين خلافه؛ لأنه قال: وجماع اللغْوِ الخطأُ، ولا يخفى أن لَغْو اليمين لا يختص بالعرب.
وقوله: "وهو قول العرب" كان سببه أن لغْو اليمين في كلام العَرَب أكثر وقوعًا.
وقوله: "ولا يَجِبُ بالمناشدة" يُقال نَاشَدهُ أي: ذكره الله، ونَشَدتُّكَ الله، أي: سألتُك باللهِ، أَنْشُدُ نَشْدًا كأنك ذكرته إياه، فنشد أي تذكَّر، وقيل: نَشَدتُّكَ الله، أي: سألتك بالله ترفْعَ نَشِيدي أي صَوْتِي، ويسمى طالب الضالَّة ناشدًا؛ لرفعه الصوْتَ بالطَّلَب.
قَالَ الغَزَالِيُّ: وَلاَ فَرْقَ بَيْنَ قَوْلِهِ: بِاللهِ وَتَاللهِ وَوَاللهِ فَالْكُلُّ صَرِيحٌ، وَلَوْ قَالَ: اللهِ لأَفْعَلَنَّ كَانَ يَمِينًا، وَلَوْ قَالَ: اللهِ لَمْ يَكُنْ يَمِينًا، وَلَوْ حَلَفَ بِمَخْلُوقٍ كَالنَّبِيِّ وَالْكَعْبَةِ أَوْ قَالَ: إِنْ فَعَلْتُ فَأَنَا يَهُودِيٌّ أَوْ بَريْءٌ مِنَ اللهِ فَلَيْسَ بِيَمِينٍ، وَقَوْلُهُ بِاللهِ وَبِالرَّحْمنِ