قَالَ الرَّافِعِيُّ: إذا قال لرامٍ: ارْمٍ خمسةً عني، وخمسةً عن نفسك، فإن أصبت في خمستك أو كان الصوابُ في خمستكَ أكثرَ، فلك كذا، أو قال: ارْمِ عشرة، واحدةً عني وواحدةً عنك، فإن كانت إصابتك فيما رميتَ عن نفسك، أكثر، فلك كذا، لم يَجُزْ، نص عليه في "الأم" وعُلِّل بأنَّه يناضل نفسه، فيجتهد الصوابَ في حقِّه، ويقصِّر في حق صاحبه، وأيضاً، فالمناضلة عقد من العقود، فلا يجري إلا بين اثنين؛ كالبيع والهبة، ولو قال لرام: ارْمِ عشرةً، فإن كان صوابُك منها أكثرَ، ذلك كذا؛ فظاهر ما نقل المُزنيُّ: أنَّه لا يجوز، وأشار إلى تعليله بأنه يناضل نفسه، واختْلف الأصحابُ، فساعده مساعدون على أنه لا يجوز، وعلَّلوه بوجهين:
أحدهما: أنه بذل العوض في مقابلة الصواب والخطأ، ولا يُستحقُّ بالخطأ شيء.
والثاني: قال أبو جعفر الأسْتَرَابَاذِيُّ: إنه بذل العوض في مقابلة مجهول؛ لأن الأكثر لا ينضبط، وقال المُعْظَمْ: إنَّه جائزٌ، وحكَوْه عن نصِّه -رضي الله عنه- في "الأم" وعللوه بأنه بذل المال على عوض معلوم، وله فيه غرض ظاهر، وهو تحريضه على الرميْ ومشاهدة رميه، وقالوا: إنه ليس بناضل، إنَّما هو جَعَالَةٌ، ومنعوا قول من قال: إنَّه بذل المال في مقابلة الخطأ والصواب، وجعلوه في مقابلة الصواب، والأكثر النصف بزيادة واحدة، وهو مضبوط، ثم من هؤلاء من غَلَّطَ المُزَنِيَّ في الحكم والتعليل، وقالوا: إنما ذكر الشافعيُّ -رضي الله عنه- ذلك في الصورة السابقة، ومنهم مَنْ حمل ما ذكره على ما إذا جرى لفظ المناضلة، فإن قال: ارْمِ كذا أو ناضل الخطأ بالصوابِ، فإن كان الصوابُ أكثرَ، فكذلك، أو قال: ارْمِ كذا، فإن كان صوابُكَ أكثرَ، فقد نَضَلْتَنِي، فهذا لا يجوز؛ لأن النِّضَالَ يجري بين اثنين، وإذا حكمنا بالجواز، فلو رمى ستةً وأصاب فيها جميعاً، فقد ظهر استحقاقه، وهل للشارط أَنْ يُكَلِّفَهُ استكمال العشرة؟ أُجْري فيه الخلافُ السابقُ، والظاهر: أن له ذلك؛ فإنه علق الاستحقاق بعشرةٍ إصابَتُها أكثرُ، ولو قال لمتراميَيْن: أرْمِيَا عشرةً، فمن أصاب منكما خمسةً، فله كذا، يجوز.
ولو قال أحدُهُما للآخر: ترمي عشرةً، فإن أصبت في خمستك، فلك عليَّ كذا، وإن أصبت، فلا شيء لي عليك، فكذلك يجوزُ.
ولو قال: إن أصبت، فلي عليك كذا، لم يجز إلا بمحلِّل، ولو قال: ارْمِ سهماً، فإن أصبت، فلك كذا، وإن أخطأت، فعليك كذا، فهو قِمَارٌ.
وقولُه في الكتاب "ولو قال: أرم، فإن كانتْ إصابتك أكثرَ من العشرة" أي: ارْمِ عشرةً، ثم وقع في اللفظ تقديمُ وتأخيرُ المعنَى، فإن كانت إصابتُك من العشرة أكثرَ، فَيُعلِمَ قوله "جاز" بالواو.
فَرْعٌ: لو كانوا يتناضلون، فمرَّ بهم مارٌّ، فقال لمن انتهت النوبة إليه، وهو على