يستحق بها المال أم يَتوقَّف الاستحقاق على استكمال الأرشاق؟ فيه وجهان:

أحدهما: يستحق؛ لأنهما استويا في الأرشاق والخُلُوص في المحاطَّة؛ كحصُول الإِصابات المشروطة في المبادرة، وكما يثبت الاستحقاق هناك قبل تمام العمل، يثبت هاهنا.

وأصحُّهما: المنعُ؛ لأن الاستحقاق منوطٌ بخلوص عشرة من مائة، وقد يصيب الآخر فيما بقي بقدر ما يمنع خلوص العشرة من المائة للأول، بخلاف المبادرة؛ فإن الإِصابة من بَعْدُ لا ترفع ابتدار الأول إلى ذلك العدد، فإن قلنا: لا يستحق المال، ما لم تكمل الأرشاق، فلا بد من إتمامها، فإن قلنا: بالاستحقاق، وقلنْا: لاحظَّ بعد خلوص العدد المشروط، فهل للآخر أن يكلِّفه إتمام العمل؟ فيه الوجهان المذكوران في المبادرة، ويجري الخلافُ في كل صورة يتوقع الآخر أن يُسَاوِيَ فيه الأوَّلَ أو يَنْضُلَهُ، وكذلك الحال في المثال المذكور، وفي معناه ما إذا كان المشروطُ خلُوصَ خمسة من عشرين، فرمى كلُّ واحد منهما خمسةَ عَشَرَ، وأصاب أحدُهما في عشرة، والآخرُ في ثلاثة، فإنهما، إذا استكملا الأرشاق، فقد يصيب الثاني في الخمسة الباقية جميعاً، ولا يصيب الأول في شيء منها، فلا يخلص له عشرة، ولو كانت الصورةُ بحالها، أصاب أحدهما في عشرة من خمسة عشر، ولم يصب الثاني في شيء منها، فلا يرجو الثاني مساواة الأول، وإن استكملا الأرشاق، وأخطأ الأولُ في جميع الباقي، وأصاب الثاني في جميعه، فلا يلزُمه إتمام الأرشاق، هكذا ذكره صاحبُ "التهذيبِ" وغيرهُ، ويجيء فيه الخلافُ المذكورُ في المبادرة لا محالةَ، ولو رمى أحدهما -والشرط المبادرة- خمسين في المثال المذكور، وأصاب في عشرة ورمى الآخر تسعةً وأربعين، وأصاب في تسعة؛ فالأول ليس بناضلٍ، بل يرمي الثاني سهماً آخر، فإن أصاب، فقد تساويا، وإلا ثبت الاستحقاق للأوَّل، ولو أصاب الأول من خمسين في عشرة، والثاني من تسعة وأربعين في ثمانية، فالأول ناضل؛ لأن الثاني، وإن أصاب في الرمية الباقية لا يساوي الأوَل، ويظهرُ بالصورتين أن الاستحقاق لا يَحْصُلُ بمجرَّد المبادرة إلى العدد المذكور، بل يُعْتبر مع المبادرةِ مساواتُهما في عدد الأرشاق أو عَجْزُ الثاني عن المساواة في الإِصابة، وإن صار مساوياً له في عدد الأرشاق ولو خلص لأحدهما في المحاطَّة عَشَرةٌ من خمسين، والآخر رمى تسعة وأربعين، ولم يُصِبْ في شيء منها، فله أن يرمي سهماً آخرَ، فلعله يصيب فيه، فَيَبْطُل خلوص عشر إصابات للأول.

قَالَ الغَزَالِيُّ: وَلَوْ قَالَ لرَامٍ: ارْمِ خَمْسَةً عَنِّي وَخَمْسَةً عَنْ نَفْسِكَ فَإِنْ أَصَبْتَ فِي خَمْسَتِكَ فَلَكَ دِينَارٌ لَمْ يَجُزْ، وَلَوْ قَالَ: أرْم فَإنْ كَانَ إِصَابَتُكَ أَكْثَرَ مِنَ العَشَرَةِ فَلَكَ دِينَارٌ جَازَ.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015