أن يرمي: إن أصبتَ بهذا السهْم، ذلك دينار فعن نص الشافعيِّ -رضي الله عنه- أنه إذا أصاب استحق الدينارَ، وتكونُ تلك الإِصابة محسوبةً من معاملته التي هو فيها، فقال الأصحاب قياساً عليه: لو كان يناضل رجُلاً، والمشروطُ عشر قرعاتٍ، وشرط أن يناضل بها آخر ثم ثالثاً إلى غير ضبْطٍ، حتى إذا فاز بها، كان ناضلاً لهم جميعاً، فهو جائز، قال الإِمامُ؛ وهذا دليل على انقطاعِ هذه المعاملة عن مضاهاة الإِجارة لأنها لو كانت بمثابتها، لما استحق بعمل واحدٍ مالَيْن عن جهتَيْن، وسبَبُ استحقاق المال فيها الشرط لا رجوع العمل إلى الشارط وقضيَّة هذه القاعدة ألاَّ تَجِبَ أجرة المثْل عند الفساد؛ لأن العامل لا يعمل لغيره.
قَالَ الغَزَالِيُّ: الرَّابِعَةُ: إذَا شُرِطَ احْتِسَابُ القَرِيبَ وذُكِرَ حَدُّ القُرْبِ جَازَ، وَإنْ لَمْ يُذْكَرْ وَلَمْ تَكُنْ عَادَةٌ فَسَدَ، وَقِيلَ: يُنَزَّلُ عَلَى أَنَّ الأَقْرَبَ يُسْقِطُ الأَبْعَدَ كَيْفَ كَانَ، أَمَّا إذَا تَشَارَطُوا صَرِيحاً إِسْقَاطَ الأَقْرَبِ لِلقَرِيبِ فَهُو مُتَّبَعٌ، وَإنْ شَرَطُوا إِسْقَاطَ مَرْكَزِ القِرْطَاسِ وَمَا حَوَالَيْهِ فَوَجْهَانِ، لأَنَّ إِسْقَاطَ المَرْكَزِ كَالْمُتَعَذِّر.
قَالَ الرَّافِعِيُّ: مقدمة الفصل أنهما اختلفوا في تفسير الحابي من السهام، فقيل: هو الذي يقع بين يدَي الغرض، ثم يزحف إليه، فيصيبه من قولهم حَبَا الصبيُّ، إذا أخذ في التحرك على أسْتِهِ أو بطنه، وهو كالمزدلف إلا أنَّ الحابي أضعفُ حركةً منه.
وقِيل: هو الذي يصيب الهدف حوالَى الغرض.
وقِيلَ: هو القريب من الهدف، كأن صاحبه يحابي ولا يريد منه إصابة الهدف، ويروَى هذا التفسيرِ عن الربيع، ولم يجعل كثير من الأصحاب الحَوَابِي صفة السهام، لكن قالوا: الرمي ثلاثةُ أنواع المبادرة، والمحاطَّة، والحَوَابي، وهو أن يرميا على أن يسقط الأقربُ والأسد الأبعد إذا تقرَّر ذلك، فلو شرطوا احتساب القريب من الغرض، نُظِرَ؛ إن ذكروا حدَّ القرب من ذراع أو أقلّ أو أكثر، جاز، وصار الحدُّ المضبوطُ كالغرض، والشَّنُّ في وسطه كالدَّارَة، وإن لم يذكر واحد القرب، فإن كان هناك للرماة عادة مطردة، حمل اللفظ المطلق على: القدر المعتاد عنْدهم، كما يحمل الدرهم عند الإِطلاق على المعتاد، وإن لم تكن عادةٌ مطردةٌ، فوجهان:
أصحُّهُما: على ما ذكر الإِمامُ وصاحبُ الكتاب: أن العقْدَ فاسدٌ للجهالة، وإن قلنا: بالثاني، فوجهان:
أحدهما: أنَّه ينزل على أن الأقْرَب يُسْقِطُ الأبعد كيف كان.
والثاني: أنه يُنَزَّل على قدر البعيد أو الأقرب للأبعد، كما إذا قال: يرمي عشرين رَشَقاً على أن يسقط الأقربُ الأبعد، فمن فضل له خمسة، فهو ناضل، وهذا ما قدمناه