إلى أن مثل هذا الشخص، هل يرامي مع العلْم بحاله، يجوز أن يُقال: نعم؛ لوجود صورة الرمْي منه، ويجوز أن يمنع؛ لأن إقدام مثله على الرمْي خطرٌ، فلا فائدة فيه.
وإن بان أنه ضعيف وقليلُ الإصابة، ولكنه يُحْسِن الرمي، فلا فسخ لأصحابه، وإن بان أنه فوق ما ظنوه، لم يكنَ للحزب الآخر الفسخُ، هكذا أطلقوه، وينبغي أن يجعل ذلك على الخلاف الذي سبق في أنه، هل يُشْترط أن يكون المتناضلان متدانيين، أو لا يشترط؟ ويجوز أن يكُونَ أحدهُما قليلَ الإِصابة، والآخر كثيرَها، وقد يُسْتدل بما أطلقوه في المسألة على الظاهر؛ أنه لا بأس بهذا التفاوت، وفي "المنهاج" للشيخ أبي محمد: أن من فوائد المسألة أن المجهول الذي لم يُخْتبر يجوز إدخاله في رجال المناضلة، قال: وكان لا يبعد عن القياس المْنعُ؛ لما فيه من الجهالة العظيمة، لكن الشَّافعي -رضي الله عنه- نصَّ عَلَى تجويزه، فلو تناضل غريبان لا يَعْرِفُ واحدٌ منهما حالَ صاحبه، فيحكم للعقد بالصحة فإن تبين أن أحدهما أخرق لا يُحْسِن الرمْيَ، فيَبْطل العقد على قياس ما ذكرنا في الصورة السابقة، وإن تبين أنهما لا يحسنان الرمي، فكذلك، وإن تبين أن أحدهما أخرقُ لا يقاوم الآخر، فهل يتبين بطلان العقْد؟ فيه الخلاف المذكور فيما إذا عاقد ناضِلٌ أخْرَقُ.
الثانية: لا بدَّ من استواء الحزبين في عدد الأرشاق والإِصابات، وأما عدد الحزبين والأحزاب فقد قال الإِمام: لا يُشتَرطُ التساوي فيه، بل يجوز أن يكون أحدُ الحزبين ثلاثةً، والثاني أربعةً، والأرشاق على كل حِزْب؛ وأن يرامي رجلٌ رجلين أو ثلاثة، ليرمي هو ثلاثةً، وكل واحد منهم واحداً، وعلى ذلك جرى صاحبُ الكتابِ، وفي "التهذيب" و"المهذب" وغيرهما: أنه يُشترط تساوي الحزبين في العَدَد؛ لأن المقصود معرفة حَذَق المتناضلين، وإذا اختلف عددهما وفضل الذين هم أكثر عدداً، لم يلزم أن يكون الفوز للحذق وجودة الرمي، بل يجوز أن يكون ذلك لكثرة العَدَد؛ وعلى هذا يُشْترط أن يكون عدد الأرشاق؛ بحيث ينقسم صحيحاً على الأحزاب، فإن كانوا ثلاثةَ أحزابٍ، فليكن للأرشاق ثُلُثٌ صَحِيحٌ، وإن كانوا أربعةً، فليكن لها رُبُعٌ صحيحٌ.
الثالثة: مَنِ التزم السبَقَ من الزعيمين، لزمه، ولم يلزم أصحابه، إلا أن يلتزموا معه، ويأذنوا له في أن يسبق عنهم، وحينئذٍ، فيكون التوزيع عليهم على عدد رُؤوسهم، وإذا فضل أحد الحزبين، فيقسم المال بينهم على عدد سهمهم أو على عدد الإِصابات؟ فيه وجهان:
أشبهُهما: وهو المذكور في الكتاب، وحكى الإِمام القطْع به: أنه يُقَسَّم بينهم على عدد رؤوسهم؛ فإنهم كالشخص الواحد، فالناضلون يأخذون بالسوية، كما أن المنضولين يعطون بالسوية.