لم يُعْتَقْ؛ لأن المِلْكَ في الهدْي والأُضْحيةِ والمالِ المعيَّنِ ينتقل إلى المسَاكِينِ، وفي العَبْدِ لا ينتَقِلُ المِلْكُ إليه بل ينتقل الملك بالكُلِّية وإن لم يتلفظ بشيْءٍ، ونوى جعْلَ الشاةِ هَدْياً أو أضحيةً -لم تصر هَدْياً أو أُضْحيةً على القوْلِ الجَديدِ، كما لا يحصلُ العِتْقُ والوقْتُ إلاَّ باللفْظِ.

والقَدِيمُ ويُحْكَى عن اختيارِ ابْنِ سُرَيْج وَالإِصْطَخْرِيّ -أنه لا حاجةَ إلى اللفْظِ؛ لأن النبي -صلى الله عليه وسلم- أَهْدَى ولم ينقل أنه تلفَّظَ بشِّيْءٍ، وعلى هذا فبم تَصِيرُ هَدْياً وأضحية؟ فيه وُجوهٌ:

أَحدُها: وبه قال ابن سُرَيْج بمجردِ النيَّةِ كما يدخل في الصَّوْمِ بالنية.

والثاني: وبه قال الإصطخري، بالنيَّةِ والتَّقْلِيد أو الإشْعَارِ لتنضم الدلالةُ الظهِرَةُ إلى النيةِ البَاطِنَةِ فيقوم مقامَ اللَّفْظِ.

والثَّالِثُ: بالنيةِ والذَّبْحِ؛ لأنه المقصودُ وهو كالقبْضِ من الهِبَةِ.

والرَّابعُ: بالنيَّةِ والسَّوْقِ إلى المذْبَحِ.

وإذا لزمه هَدْيٌ أو أضْحيةٌ بالنذْرِ وقال: عيَّنْتُ هذه الشاةَ لنذري أو جعلتُها عن نَذْرِي، أو قال: لِلَّه عَلَيّ أَنْ أُضَحي بها عما في ذِمّتي فَفِي تَعْيِينها وَجْهانِ نقلهما الإِمامُ.

أَظْهرُهما: وهو الذي يوجد لأكثرهم -التعيِينُ وبل أَوْلَى؛ لأنه لو أَوْجَبَ على نَفْسِه ابتداءً، ولا شَيْءَ عليه تَعَيَّنَ ما عَيَّنَهُ فإذا عيَّن عما هو واجبٌ عليه كان أَوْلَى بأن يتعين. هكذا وجه ابْنُ الصَّبَاغِ وغيرُه.

والثَّانِي: لاَ يَتَعَيَّنُ؛ لأن الملتزِمَ في الذِّمَةِ دَيْنٌ، والديْنُ لا يتعين إلاَّ بالإبقاء على المستحق.

وحكى الإمامُ هذا الخِلافَ في صُوَرٍ سَرَدَها، ورتَّبَ الخلافَ في بعضها على بَعْضٍ نُورِدُها مع زَوَائِدَ:

فمنها: لو قال ابتداء لله على التضحية بهذه البَدَنَةِ أو الشاةِ فعليه التضحيةُ، وفي تَعْيينِ تلك الشَّاةِ وجْهَانِ، وهذه الصورةُ أَوْلَى بالتعْيِين لأنه لم يتجرّدْ الاِلْتِزَامْ على التَّعْيِينِ. وهذا هو الصحيح.

ولو قال: لله عَلَيَّ أن أَعْتِقَ هذا العبدَ -يلزمُه العِتْقُ، وفي تعيين ذلك العبْدِ وجهانِ مُرَتَّبانِ على الخِلاَفِ في مِثْلِ هذه الصُّورَةِ من الأُضْحية والعبْدُ أَوْلَى بالتعيينِ؛ لأنه ذُو حَقٍّ وحَظٍّ في العِتْق بخلاف الأُضْحيةِ، فلو كان قد نذر إعتاقَ عَبْدٍ ثم عَيِّنَ عبداً عما التزمَ، فالخِلاَفُ مرتَّبٌ على الخلاف في مِثْلِه من الأُضْحية.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015