فمنها رويِ عن عَلِيٍّ -رضي الله عنه- قال: "أمرنا رسولُ الله -صلى الله عليه وسلم- أَنْ نَسْتَشْرِفَ العَيْنَ والأُذْنَ، وألاَّ نُضَحِّي بِمُقَابَلَةٍ ولا مُدَابَرةٍ ولا خَرْقَاءِ ولا شَرْقَاءَ" (?).

وقوله عليه السلام، نَسْتَشْرِف العينَ والأذُنَ، قِيلَ أي نتأمَّلُها وننظرُ فيهما، كَيْلاَ يقعَ فيها نقصٌ وعَيْبٌ (?).

وقِيلَ: أنْ نُضَحِّي بواسعِ العَيْنيْنِ، طويلَ الأُذُنِ.

والمقابَلَةُ: التي قُطِعت فلقةٌ مِنْ مقدَّم أُذُنِها.

والمُدَابَرَةُ: التي قُطِعت الفلقةُ من مُؤَخَّرِهَا.

والشَّرقاء: المشقوقةُ الأُذُنِ.

والخرْقَاءُ: التي يثقبُ أذُنُها من كَيٍّ أو غيره، فلا تُجْزِئُ التي اسْتُوْعِبَ أُذُنُها جِدعاً؛ لأنه ذهب منها عُضْوٌ مأكولَ.

ويُرْوَى أَنَّ النبي -صلى الله عليه وسلم- نهى أَنْ يُضحَى بالمُصْفَرة، وفسرت المصفرة بالتي اسْتُوْصِلَتْ أُذُنُهَا. وذُكِرَ أنَّه مِنْ قولِهم: "صِفُرَ المكانُ إِذَا خَلاَ". وعن مالكٍ: أنَّها تُجزِئُ. وإن قُطِعَ بعضُ أذنها، نُظِرَ؛ إنْ أبين منها شيءٌ -لم تَجُزْ التضحيةُ بها، إِنْ كان المُبانُ كثيراً بالاضافة إلى الأُذُنِ وإن كان يسيراً -فوجهان:

أَظْهَرُهما: أنَّ الجوابَ كذلك [لذهاب جُزْءٍ] (?) مأْكُولٍ.

والثَّانِي: أنَّه لا يَمْنَعُ الإِجْزَاءَ -وبه قال القاضي الرُّوَيانِي، حين قال في "الحِلْية": وأنَّا أُرَخّصُ في أُنْمُلَةٍ أو ظُفْر، وذلك لأن الفلقَ الصغِيرَ يُعْتَنَى بها، بل يحذفُ مِنَ الرُّؤوسِ المشويَّةِ وأطراف الأدب الحاسية (?).

قال الإمامُ: وأقربُ العباراتِ في الفرقِ بين الجزْءِ الكبير واليَسِير أَنْ يُقال: إن كان النُّقْصانُ يلوحُ من بُعْدٍ، فالجزْءُ المُبانُ كثيرٌ، وإن كان لا يَلُوح مِنْ بُعدٍ -فهو صَغِيرٌ وإن لم يَبن منها شَيْءٌ، بل شُقَّ أو قُطِع طرفٌ وبِقِيَ مُتَدلِّيًا، فهذا لا يمنعُ الإجْزَاءَ.

وفيه وجه، وهو اختيارُ القفَّالِ: أنَّه يمنعُ؛ لأنَّ موضِعَ القطْعِ يتصلَّب ويصيرُ جِلْداً بعدما كان لَحْمًا.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015