والمقصود بَيَانُ موضع جَوَازِهِ، وإن احتاج المسلمون إلى إِهْلاَكِ مَالٍ لهم، كَتَخْرِيبِ بِنَاءٍ، وقَطْعِ شَجَرٍ لِيَتَمَكَّنُوا من القِتَالِ، أو لِيَظْفَرُوا بهم، فلهم إِهْلاَكُهُ؛ لما روي عن ابنَ عُمَرَ -رضي الله عنه- أَنَّ النبي -صلى الله عليه وسلم- قَطَعَ نَخْلَ بني النَّضِيرِ وحَرَّقَ عليهم (?)، وفي ذلك نَزَلَ قوله تعالى: {مَا قَطَعْتُمْ مِنْ لِينَةٍ أَوْ تَرَكْتُمُوهَا} [الحشر: 5] الآية وأَنَّهُ قطع على أَهْلِ "الطَّائف" كَرْمَهُمْ (?)، وذُكِرَ أَنَّهُ كان آخر غَزَوَاتِهِ، وإن لم يَحْتَاجُوا إليه، نظِرَ إن لم يَغْلِبْ على الظَّنِّ حُصُولُ ذلك المَالِ لِلْمُسْلِمِينَ، جاز إهلاكه مُغَايَظَةً لهم، وتَشْدِيدًا عليهم، وإن غَلَبَ على الظَّنِّ حُصُولُهُ لهم، ففيه وَجْهَانِ، حكاهما في "المُهَذَّبِ":
وجه المنع ما روي أَنَّ أَبَا بَكْرٍ -رضي الله عنه- نَهَى عنه (?).
وعن الشَّيْخِ أبي حَامِدٍ إِطْلاَقُ القَوْلِ بالجَوَازِ، والأولى تَرْكُهُ بلا خِلاَفٍ، وهذا إذا دَخَلَ الإمَامُ بلاَدَهُمْ مُغيرًا، ولم يمكنه الاسْتِقْرَارُ فيها, فَأمَّا إذا فَتَحَهَا، وَقَهَرَ أَهْلَهَا، فلا يجوز القَطْعُ والتخريبُ [لأنه صارت غَنِيمَةٌ للمسلمين، وكذا لا يَجُوزُ القَطْعُ والتَّخْرِيب] (?) إذا فتحها صُلْحًا على أن يكون لهم أَوْ لَنَا.
ولو غَنِمْنَا أَمْوَالَهُم وانصرفنا وَخِفْنَا الاسْتِرْدَادَ، جاز إهْلاَكُهَا لئلا يَغْلِبُوا عليها وَيَتَقَوَّوْا بها، هذا حُكْمُ غير الحَيَوَانِ.
وأمَّا الحَيَوَانُ، فإذا كانوا يُقَاتِلُوننا على الخُيُولِ، واحتجنا إلى عَقْرِهَا لِدَفْعِهِمْ والظَّفَرِ بهم، جَازَ ذلك، فَإِنَّهَا كَأدَاةِ الِقتَالِ.
ويُرْوَى أَن حَنْظَلَةَ بْنَ الرَّاهِب -رضي الله عنه- عَقَرَ بأبي سفيان فَرَسَهُ يوم "أُحُدٍ" فَسَقَطَ، فجلس حَنْظَلَةُ على صَدْرِهِ لِيَذْبَحَهُ، فجاء ابن شعوب فقتل حَنْظَلَةَ -رضي الله عنه- واسْتَنْقَذَ أبا سفيان، ولم يُنْكِرْ رسولُ الله -صلى الله عليه وسلم- فِعْلَ حَنْظَلَةَ (?) -رضي الله عنه-