والثاني: لا، لاخْتِصَاصِ الأُمِّ بنهاية الشَّفَقَةِ والتَّحَنن، وعَجْزِهَا عن الصَّبْرِ، ولهذا قدمت في الحَضَانَةِ على الأب، وهل يَتَعَدَّى التَّحْرِيمُ إلى سائر المَحَارِمِ، كالأخ والعَمِّ وغيرهما، فيه طريقان:
قال أكثرهم: لا، لأَنَّ سائر القَرَابَاتِ لا يَتَعَلَّقُ بها رَدُّ الشَّهَادَةِ والعِتْقُ بالمِلْكِ، فكذلك في تَحْرِيمِ التَّفْرِيقِ. نعم يُسْتَحَبْ التَّحَرُّزُ عنه.
والثاني: طَرْدُ الخِلاَفِ المذكور في الأبِ، وروى صاحب "الحاوي" في الأَجْدَاد والجَدَّاتِ من قبل الأب ثلاثة أوجه:
أحدها: يجوز التَّفْرِيقُ بين الوَلَدِ وجميعهم؛ بِنَاءً على جَوَازِ التَّفْرِيقِ بينه وبين الأَبِ.
والثاني: لا يَجُوزُ؛ بِنَاءً على أَنَّ التَّفْرِيقَ لا يَجُوزُ بينهما.
والثالث: يجوز التَّفْريقُ بينه وبين الذَّكَرِ منهم، كَأبِ الأب، ولا يَجُوزُ بينه وبين الأُنْثَى منهم، كأم الأب، لأَنَّ الإناث أَصْلَحُ للتَّرْبيَةِ، وهذه الوُجُوهُ على طَرِيقَةِ من لا يُعَدِّي التَّحْرِيمَ إلى المَحَارِمِ قَطْعاً، وإذا كان للولدَ أَبَوَانِ، فيحذر من التَّفْريِقِ بينه وبين الأُمِّ، ويحتمل التَّفْرِيقُ بينه وبين الأب، ولا بَأْسَ بالتفريق إذا أَلْجَأتِ الضَّرْورَةُ إليه، كما إذا كانت الأُمُّ حُرَّةً، يجوزُ بَيْعُ الوَلَدِ، ولو كانت الأُمُّ لِوَاحِدٍ، والولد لآخر، فَلِكُلِّ وَاحِدٍ منهما أن يَنْفَرِدَ ببيع ما يملكه، وقد سَبَقَ ذلك في "البيع"، وحَكَيْنَا هناك قَوْلَيْنِ في أَنَّ التَّحْرِيم يَنْتَهِي بسِنِّ التمييز، أو يَمْتَدُّ إلى البُلُوغ؟
والأَصَحُّ الأَوَّلْ، فإنه لا يحرم بعد البُلُوغِ.
وعن أحمد خِلاَفُهُ، ويجوز أن يُعَلَّمَ لذلك لفظ "الصَّغِير" من قوله في الكتاب: "وولدها الصَّغِير" بالألف إِشَارَةً إلى أَنَّ عنده لا يعتبر الصِّغَرُ، واللَّفْظُ يُوَافِقُ القَوْلَ الذَّاهِبَ إلى امْتِدَادِ التَّحْرِيم إلى البُلُوغ، فيمكن أَن يُعَلَّمَ بالوَاوِ لِلْقَوْلِ الآخر، وأن يُعَلَّمَ لَفْظُ القولين في سَائِرِ المَحَارِمِ بالوَاوِ لِلطَرِيقَةِ القاطعة.
قال الغَزَالِيُّ: (التَّصَرُّفُ الثَّالِثُ) إهْلاَكُ أَمْوَالِهِمْ غَيْظاً لَهُمْ جَائِزٌ إِذَا لَمْ يُمْكِنْ تَمَلُّكُهُ إِلاَّ الحَيَوَانَاتِ* وَأَمَّا الأَشْجَارُ فَيَجُوزُ قَطْعُهَا* وَيجِبُ إِهْلاَكُ كُتُبِهِم الَّتِي لاَ يَحِلُّ الاِنْتُفَاعُ بِهَا* وَفِي جَوَازِ اسْتِصْحَابِهَا لِفَائِدَةِ تَعَرُّفِ مَذَاهِبِهِمْ تَرَدُّدٌ* وَكَلْبُ الغَنِيمَةِ يَخُصُّ بِهِ الإِمَامُ مَنْ شَاءَ إِذْ لاَ مِلْكَ فِيهِ.
قال الرَّافِعِيُّ: كما أنَّ نُفُوسَ الكْفَّارِ تَهْلِكُ تَارَةً بالقَتْلِ، وتُمْسَكُ أخرى بالاسْتِرْقَاقِ، فكذلك أَمْوَالُهُمْ تَهْلِكُ تَارَةً وتُغَنَمُ أُخْرَى، وهذا التَّصَرُّفُ الثَّالِثُ هو إِهْلاَكُ أَمْوَالِهِمْ،