وإن غَنِمْنَا خُيُولَهُمْ ومَوَاشيهُمْ ولحقونا، وَخِفْنَا الاسْتِرْدَادَ أو ضعف بعضها، وتَعَذَّرَ سَوْقُهَا، لم يجز عَقْرُهَا، وإتْلاَفهَا. وبه قال أحمد. نعم تُذْبَحُ لِلأَكْلِ، وإذا خِفْنَا أَنَّهُمْ يأخذون الخُيُولَ ويُقَاتِلُونَ عليها، ويشتدُّ الأَمْرُ، يجوزُ إِتْلاَفُهَا.

وعند أبي حَنيفَةَ ومَالِكٍ: يجوز إِتْلاَفهَا بِكُلِّ حَالٍ مُغَايظَةَ لِلْكُفَّارِ.

لنا ما روي أنَّهُ -صلى الله عليه وسلم- نَهَى عن تَعْذِيبِ الحَيَوَانِ إِلاَّ لِمَأْكَلَةٍ (?).

وأيضاً نَهَى عن قَتْل الحَيَوَانِ صَبْرًا (?)، ولا خِلاَفَ في أَنَّهُمْ لو لحقونا ومعنا نِسَاؤُهُمْ وصِبْيَانُهُمْ لم يَجُزْ قَتْلُهُمْ، وإن خَشِينَا اسْتِرْدَادَهُمْ، ثُمَّ في الفَصْلِ مسألتان:

إحداهما: إذا ظَفَرْنَا بِكُتُبٍ لهم مما يَحِلُّ الانْتِفَاعُ به؛ كالطِّبِّ والشِّعرِ واللُّغَةِ والحِسَاب والتَّوَارِيخ، فسبيله سَبِيلُ سائر الأموال، فَيُبَاعُ أو يُقَسَّمُ، وما يحرم الانْتِفَاعُ به كَكُتُبِ الشِّرْكِ والهَجْوِ والفُحْشِ المَحْضِ، فلا يُتْركُ بِحَالِهِ، ولكن إن كان على رَقِّ، أو كَاغدٍ ثَخِينٍ؛ وأمكن غَسْلُهُ غُسِلَ، ثُمَّ هو كَسَائِرِ أموال الغَنِيمَةِ، وإن لم يكن أُبْطِلَتْ مَنْفَعَتُهُ بالتَّمْزِيقِ، ثُمَّ الممزَّقُ كَسَائِرِ الأَمْوَالِ، ولِلْمَزْقِ قِيمَةٌ وَإِنْ قَلَّتْ.

وعن القاضي الطَّبَرِيِّ: أنَّهَا تُمَزَّقُ أَوْ تُحَرَّقُ، ولم يُصَحِّحُوا الإِحْرَاقَ؛ لما فيه من التَّضْيِيعِ، وكتبِ التَّوْرَاةِ والإِنْجِيلِ مما لا يَحِلُّ الانْتِفَاع به؛ لأَنَّهُم بَدَّلُوا وَغيَّرُوا.

قال في "البحر": وإنما تُقَرُّ في أَيْدِي أَهْلِ الذِّمَّةِ؛ لاعْتِقَادِهِمْ كما يُقَرُّونَ على الخَمْرِ. قال: والصَّحِيحُ أَنَّهَا لا تُحَرَّقُ؛ لما فيها من أَسْمَاءِ اللهِ تعالى.

قال الإمامُ: وقد يَخْطُر لِلْفَطِنِ أنَّ كتب الشِّرْكِ يُنْتَفَعُ بها، على معنى أَنَّ الحَاجَةَ تمسُّ إلى الاطِّلاعَ على مَذَاهِب المُبْطِلِينَ ليوَجَّه الرَّدّ عليها، فإن كانت تلك المَقَالاَتِ مَشْهُورَةً، فالرَّأْيُ إِبْطَالُهَا، وإن كان ما فيها مما لم يَتَقَدَّمِ الاطَّلاعُ عليه، ففي جَوَازِ اسْتِصْحَابِهِ تَرَدُّدٌ واحْتِمَالٌ بَيِّنٌ.

الثانية: إذا دَخَلْنَا دِيَارَهُمْ غَازِينَ قَتَلْنَا الخَنَازِيرَ، وأَرَقْنَا الخُمُورَ، وتُحْمَلُ ظُرُوفُهَا إِلاَّ أن تَزِيدَ مُؤْنَةُ الحَمْلِ على قِيمَتِهَا، أو تُسَاوِيهَا، فيتلفها عليهم، والكَلْبُ المُنْتَفَعُ بِهِ للاصْطِيَادِ، وللمواشي. أطلق صَاحِبُ الكتاب أنَّ الإِمَامَ يَخُصُّ به من يَشَاءُ، وهكذا حَكَاهُ الإِمَامُ عن العِرَاقِيِّينَ، وقال: قالوا: للإمام أن يُسَلِّمَهَا إلى وَاحِدٍ من المسلمين لِعِلْمِهِ باحْتِيَاجِهِ إليه، ولا يكون مَحْسُوبًا عليه، واعترض عليه بأن الكَلْبَ مُنْتَفِعٌ به،

طور بواسطة نورين ميديا © 2015