أحدهما: أَنَّ فيهما قَوْلَيْنِ نَقْلاً وتَخْرِيجًا.

أصحهما: أَنَّهُ يبقى الاسْتِحْقَاقُ، ويُسْتَدَامُ حُكْمُ العَقْدِ بَعْدَ الإِسلام، وعلى هذا تُبْنَى قَوَاعِدُ في نِكَاحِ المشركات.

والثاني: المَنْع؛ لأنَّهُ يَبْعُدُ أن يُمَكِّنَ الحَرْبِيُّ من مُطَالَبَةِ المسلم، أو الذِّمِّيِّ في دارنا.

والثاني: القَطْعُ بالقول الأَوَّلِ، وبه قال ابْنُ سُرَيْجِ، وحمل النَّصَّ الثاني على ما إذا سمى لها خَمْرًا أو خِنْزِيرًا وقبضته في الكُفْرِ، ولا يَخْفَى أَنَّ ما ذَكَرْنَا فيما إذا كان الفرض أو الثَّمَنُ مَالاً، بخلاف ما إذا كان خَمْرًا أو خِنْزيرًا. ولو أَتْلَفَ حَرْبِيٌّ مَالاً على حَرْبِيٍّ، أو غَصَبَهُ، ثم أَسْلَمَا، أو أسلم المُتْلفُ، فوجهان:

أصحهما: أَنَّهُ لا يُطَالَبُ بالضَّمَانِ؛ لأَنَّهُ لم يَلْتَزِمْ شيئاً، والإسلامُ يَجُبْ ما قَبْلَهُ، والإِتْلاَفُ ليس عَقْداً يُسْتَدَامُ بخلاف الملزم بها.

وأيضاً فَالحَرْبِيُّ إذا قَهَرَ حَرْبِيًّا على مَالِهِ ملكه، والإِتْلاَفُ نَوْعٌ من القَهْرِ.

وأيضاً فَإِتْلاَفُ مَالِ الحَرْبِيِّ لا يزيد على إِتْلاَفِ مَالِ المُسْلِمِ، وأَنَّهُ لا يُوجِبُ الضَّمَانَ على الحَرْبيِّ.

والثاني: يطالبُ؛ لأَنَّهُ لاَزِمٌ في شَرْعِهِمْ، فكأنهم تَرَاضَوْا عليه.

ويَزِيدُ على هذا ما حكى عن تَعْلِيقِ القاضي حسين: أَنَّ الحَرْبِيَّ إذا جَنَى على مُسْلِمٍ، فاسترق، فَأرْشُ الجِنَايَةِ في ذِمَّتِهِ، لا يَتَحَوَّلُ إلى رَقَبَتِهِ، بخلاف المُكَاتَب، إذا جَنَى أن يكون الأرْشُ في ذِمَّتِهِ يُؤَدِّيهِ من الكَسْبِ، فإن عَجَزَ وعاد قِنًّا تَحَوَّلَ الأَرْشَ إلى رَقَبَتِهِ. والفرقُ أَنَّ الرِّقَّ الذي هو مَحَلُّ تَعَلُّقِ الأَرْضِ كان مَوْجُودًا في حَالِ الكِتَابَةِ، إِلاَّ أَنَّ الكِتَابَةَ المَانِعَةَ من البيع منعت في التَّعَلُّقِ، فإذا عَجَزَ ارْتَفَعَ المَانِعُ، وثبت التَّعَلُّقُ، وفي الحربي لم يكن عند الإِتْلاَفِ رِقٌّ وإنما حَدَثَ بَعْدَهُ وهذا قَوْلٌ يُوجِب الضَّمَانَ على الحَرْبيِّ إذا جَنَى على مسلمٍ، أو مَالٍ. قال الإِمامُ: وهو إِخْلاَلٌ من نَاقِلٍ، أو هَفْوَةٌ من القاضي وَلْنَعُدْ إلى ما يَتَعَلَّقُ بَلفظ الكتاب.

قوله: "أو ذمي" يجوز أن يُعَلَّمَ بالواو.

وقوله: "فيقضي" بالحاء لما ذكرنا.

وقوله: "الذي لم يغنم قبل اسْتِرْقَاقِهِ" يَدْخُلُ فيه ما اغْتَنَمَ بَعْدَ أسترقاقه، وما اغْتَنَمَ مع اسْتِرْقَاقِهِ، وقد ذكر من بعد أَنَّ الاغْتِنَامَ والاسْتِرْقَاقَ لو وَقَعَا معًا، فالظَّاهِرُ تَقْدِيمُ الغَنِيمَةِ، وكان من حَقِّهِ أن يقول: من المال الذي اغتَنَمَ بَعْدَ استرقاقه.

وقوله: "إِلاَّ إذا سَبَقَ الاغْتِنَامُ رِقَّهُ" الاستثناء يرجعُ إلى قوله: "فَإنَّ حَقَّ الدَّيْنِ مُقَدَّمٌ

طور بواسطة نورين ميديا © 2015