صاحب الدَّيْنِ كان في الذِّمَّةِ، وما يَتَعَلَّقُ بالعَيْنِ يَتَقَدَّمُ على المتعلّق بالذمَّةِ.

ولك أن تقول: إذا جَنَى العَبْدُ المَرْهُونُ، يَتَقَدَّمُ حَقُّ المَجني عليه على حَقِّ المُرْتَهِنِ، وليس من صورة المَعِيَّةِ أنْ يكون الاغْتِنَامُ مع الأسْرِ، فَإِنَّ المالَ يملك بنفس الأَخْذِ والرِّقِّ، لاَ يَحْصُلُ بنَفْسِ الأَسْرِ في الرجال الكاملين، ولكن يَظْهَرُ ذلك في حَقِّ النِّسْوَةِ، وفيما إذا فرض الاغْتِنَام مع إرْقَاقِ الإمَامِ بعْدَ الأسْرِ وإذا لم يوجد مَالٌ يُقْضَى منه، فهو في ذمَّتِهِ إلى أَنْ يُعْتِقِ، وهل يَحِلُّ المُؤَجَّلُ بالرِّقِّ؟

فيه وجهان مُرَتَّبَانِ على الوجهين في الحُلُولِ بالفَلَسِ، والرِّقُّ أَوْلى بالحلول؛ لأَنَّهُ أَشْبَهُ بالموت من حديث إنه يُزِيلُ المِلْكَ، ويقطع النِّكَاحَ، وهذا إذا كان الدَّيْنُ لِمُسْلِمٍ، فَإِنْ كان لِذِمِّيٍّ، فبمثله أَجَابَ الإِمَامُ، وقال: دَيْنُ الذِّمِّيِّ مُحْتَرَم كأعيان أَمْوَالِهِ.

وحكى صاحبُ "التهذيب" فيه وَجْهَيْنِ، وإن كان لِحَرْبِيِّ، واسترق المديون، فالمَحْكِيُّ عن القاضي الحسين، وهو الظَّاهِرُ أَنَّهُ يَسْقُطُ الدَّيْنُ، ووجه بأن ملتزم الدَّيْنِ انْتَقَلَ من كونه حَرْبيًّا لا يجري عليه حُكم إلَى كونه رَقِيقًا ليس له على نَفْسِهِ حُكْمٌ، وأَبْدَى الإِمَامُ احْتِمَالاً أَنَّهُ لا يسقط، كما سَنَذْكُرُ فيما إذا أَسْلَمَ من عليه الدَّيْنُ، أو قبل الأَمَان.

ويُجْعَلُ الرِّقُّ كَأَمَانٍ يَحْدُثُ، هذا إذا استرق مَنْ عليه الدَّيْنُ، فلا تبْرَأ ذمةُ من عليه الدَّيْنُ، بل هو كَوَدَائِع الحَرْبِيِّ المَسْبِيِّ، هذا لفظه في "الوسيط" ولم ينص والحَالَةُ هذه على حَالِ مَنْ عليه الدَّيْنُ، والإمامُ ذكر هذا الجَوَابَ فيما إذا اسْتَقْرَضَ مُسْلِمٌ من حَرْبِيٍّ، أو اشترى منه شيئاً، والتزم الثَّمَن، ثُمَّ استرق مستحقّ الدَّيْنِ. قال: لا يسقط الدَّيْنُ عن ذِمَّةِ المُسْلِمِ. وفي "التهذيب" لو كان لحربي على حَربْيٍّ دَيْنٌ فاسترق.

أحدهما: يسقط لِزَوَالِ مِلْكِهِ، قال ولو قَهَرَ المَدْيُونُ رَبَّ الدَّيْنِ يسقط؛ لَأَنَّ الدَّارَ دَارُ حَرْبٍ، حتى إذا قَهَرَ العَبْدُ سَيِّدَهُ يَصِيرُ حُرَّاً، ويصير السَّيِّدُ عَبْدًا.

ولو قَهَرَتِ الزَّوْجَة زَوْجَهَا يَنْفَسِخُ النكاحُ، وقد يفهم من هذه الجُمْلَةِ إن كان دَيْنُ المسترقّ على مسلم يطالب به كما يطالب بِوَدَائِعِهِ؛ لأنَّه مُلْتَزمٌ، وإن كان على حَرْبِيٍّ يسقط؛ لأنَّ المستحق قد زال مِلْكُهُ، والحربي غير مُلْتَزمٍ حتى يطالب.

ولو استقرض حَرْبِيٌّ من حَرْبِيٍّ، أو التزم بالشراء ثَمَنًا، ثُمَّ أَسْلَمَا، أَو قَبِلاَ الجِزْيَةَ، أو الأَمَانَ معاً، أو على الترتيب، اسْتَمَرَّ الاستحاقاقُ، كما إذا أسلم الزَّوْجَانِ، ولم يقبض المهر المُسَمَّى، يبقى استحقاقه، ولو أَسْلَمَ المستحق عليه، أو قَبِلَ الجِزْيَةَ، دون المستحق، فالنَّصُّ أَنَّ الجَوَابَ كذلك، ويستمر الاسْتِحْقَاقُ، كما إذا أسلم الزوجان.

وعن نَصِّهِ -أَنَّهُ إذا ماتت زَوْجَةُ الحَرْبِيِّ، فجاءنا مُسْلِمًا، أو مُسْتَأْمنًا، فجاء وَرَثَتُهَا يَطْلبُونَ مَهْرَهَا، لم يكن لهم شيء. وللأصحاب فيه طريقان:

طور بواسطة نورين ميديا © 2015