يخوِّفُ النَّاسَ، بأَنْ يقولَ: عددكم قَلِيلٌ، وخُيُولكُم ضَعِيفةٌ، ولا طاقَةَ لكم بالعدوّ، وما أشبه ذلك، وفي معنى المخذِّلِ: المرجفُ والخَائِنُ، والمرجفُ: هو الذي يُكْثر الأَراجِيفَ بأن يقول: قُتِلَتْ سريَّةُ كذا، أو لحقهم مددٌ مِنْ جِهَةِ كذا، أو لهم كَمِينٌ في مَوْضِع كذا.

والخَائِنُ والخِيانَةُ: أَنْ يتجسَّسَ لهم، ويُطْلِعَهم على العَوْراتِ بالمكاتبة والمُراسَلَةِ، وتكلموا في أنَّهُ لَمَّا كان رسولُ الله -صلى الله عليه وسلم- يَغْزُو ومعه عبدُ الله بنُ أَبيّ مع ظُهُورِ التخْذِيل منه؟ فقِيلَ: كانت الصحابةُ -رضي الله عنهم- أَقْوِياءَ في الدِّين، لا يُبَالُون بتخذِيله، وقِيلَ: كان النبيُّ -صلى الله عليه وسلم- يطّلِعُ بالوحْي على أَفْعاله، فلا يستضر بكَيْده، وصورة المخذِّل مكررةٌ، قد ذكرها مَرَّة في "قِسْمِ الغَنَائِم".

ويجوزُ أن يعلم قوله هاهنا: "وَلاَ يَسْتَحِقّ شيئًا وإن حضر" وقولُه هنا: "فَلا يُعْطَى شيئاً أصْلاً" بالحاء لأنَّ القاضي ابنَ كَجّ رَوَى عن أَبِي حَنِيْفَةَ أَنَّه يُسْهِمُ له مِنْ الغنيمة إذا حضر، وبالوَاوِ؛ لأنَّ القاضِيَ الروياني روى وراء المشهور وَجْهين:

أَحَدُهما: أَنَّهُ إِنَّمَا يحرمُ إذا نهاه الإِمام فلم ينْتَهِ. أَمَّا إذا لم يَنْهَهُ -فيسهم له كغيره.

والثاني: أَنَّهُ يرضخُ له، ثُمَّ لفظُ الكتاب هاهنا أَنَّهُ يخرجُ من الجند، وهناك أَنَّهُ يخرجُ مِنَ الصَّف، فالإخراجُ من الجُنْدِ قبل التقاءِ الصَّفَّيْنِ ظاهِرٌ، وأَمَّا عند الالتِقَاءِ، فَإِنَّما يخرج إذا لم يخف منه وهن.

قال الغَزَالِيُّ: (الثَّانِيَةُ) لاَ يَصِحُّ اسْتِئْجَارُ المُسْلِم عَلَى الجِهَادِ إِذْ يَقَعُ عَنهُ لَكِنْ لِلإِمَامِ أَنْ يُرغُبَهُمْ بِبَذْلِ الأهْبَةِ وَالسَّلاَحِ* وَلَوْ أَخْرَجَهُمْ قَهْراً لَمْ يَسْتَحِقُّوا الأُجْرَة* وَلَوْ عَيَّنَ الإِمَامُ شَخْصاً لِدَفْنِ مَيِّتٍ وغَسْلِهِ فَلاَ أُجْرَةَ لَهُ إِلاَّ أَنْ يَكُونَ لَهُ تَرِكَةٌ أَوْ فِي بَيْتِ المَالِ مُتَّسَعٌ* وَيَجُوزُ اسْتِئْجارُ العَبِيدِ إِنْ قِلْنَا: لاَ يَجِبُ عَلَيْهِمُ القِتَالُ بِحَالٍ* وَيَجُوزُ اسْتِئْجَارُ الذِّمِّيِّ* وَقِيلَ: إِنَّ ذَلِكَ جَعَالَةٌ لِلجِهَادِ* وَفِي اسْتِقْلاَلِ الآحَادِ بِاسْتِئْجَارِ الذِّمِّيِّ وَجْهَانِ كَمَا فِي الأَذَانِ* وَلَوْ أُخْرِجَ أَهْلُ الذِّمَّةِ قَهْراً اسْتَحَقُّوا أُجْرَةَ المِثْلِ مِنَ الغَنِيمَةِ عَلَى رَأْيٍ* وَمِنْ بَيْتِ المَالِ عَلَى رَأْيٍ* وَلوْ خُلَّيَ سَبِيلُهُمْ قَبْلَ الوُقُوفِ لَمْ يسْتَحِقُّوا إِلاَّ أُجْرَةَ الذَّهَابِ* وَلَوْ وَقَفُوا مِنْ غَيْرِ قِتَالٍ فَفِي اسْتِحْقَاقِهِمُ الأُجْرَةَ الكَامِلَةَ خِلافٌ.

قال الرَّافِعِيُّ: أمَّا المسلمُ فلا يجوزُ أَن يُسْتَأجر؛ لأنَّه إن كان مُتَعيناً عليه -فهو بالخرُوجِ يُؤَدِّي فَرْضاً عليه مُتعيناً، وإنْ لم يكُنْ متعيِّناً عليه، فإذا حضر الوقعَةَ تَعيَّنَ عليه، ولا يجوز أخذ الأجرة عن الفرضِ المتعيّن عليه، الواقِعِ عنه، كما لا يَأْخُذُ الصّيرورة الأُجْرة على الحج؛ لأنَّ الحجَّ يقع عَنْه، فلا فرقَ في ذلك بين الإِمَامِ والآحادِ.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015