وعن الصَّيْدَلاَنِيِّ: أَنَّهُ يجوزُ للإمامِ أَنْ يَسْتأْجِرَ المسلِمَ للجهادِ، ويُعْطِيَه الأُجْرة من سَهْم المصالح، والظاهِرُ الأوّلُ، والإمامُ يرغّبُ في الجهادِ ببذل الأُهْبة والسِّلاحِ مِنْ بيْتِ الماَل، أو مِنْ خاصِّ ماله، فينال ثوابَ الإعَانَةِ، ويقع الجهادُ عن المباشر، وكذلك إذا بذل أهبته الواحد من عرض الناس مِنْ ماله.
رُوِيَ أنَّ النبيَّ -صلى الله عليه وسلم- قال: "مَنْ جَهَّزَ غَازِياً فِي سَبِيلِ اللهِ فَقدْ غَزَا" (?) ورُوِي "مَنْ جَهَّزَ غَازِياً أَوْ حَاجًّا أَوْ مُعْتَمِراً فَلَهُ مِثْلُ أَجْرِهِ" (?).
قال الأَصْحابُ: وما يُدْفَعُ إلى المُرْتَزَقَةِ من الفَيءِ وإلى المطوّعة من الصَّدَقَاتِ -حقوقُهم المرتبة لهم وليس أجرةً وجهادُهم واقِعٌ عنهم.
ولو قَهَرَ الإمامُ جماعةً من المسلمِينَ، وأَكْرَههُم على الخروج والجهاد -لم يَسْتَحِقُّوا الأُجْرةَ؛ لما ذكرنا من وُقوعِ الجهاد عنهم، وامتناع استئجارِهم له، هكذا أطْلقُوه، وفصَّلَ في "التَّهْذِيبِ" فقال: إِنْ تَعَيَّنَ الجهادُ عليهم، فالحكْمُ كذلك، وإِلاَّ فلهم الأُجْرةُ مِنْ حِين أخْرجهَم إلى أَنْ يحضروا الوقْعَةَ، وأطلق مُطْلقون القولَ بأنَّهُ إذا عَيَّنَ الإمامُ رَجُلاً، وأَلْزمه غَسْلَ الميِّتُ ودَفْنه -لم يكنُ لذلك المقهور أجرةً، واسْتَدْرَكَ الإمامُ فقال: هذا إذا لم يكُنْ للميت تَرِكَةٌ، ولا في بيت المال مُتَّسَعٌ، فإن كان له تَرِكَة، فَمُؤْنَةُ تَجْهِيزه في تركَتِه، وإِلاَّ وفي بيتِ المال متسع فمؤنُته في بيت المالِ، فيستحق المقهورُ الأُجْرةَ، والتفصِيلان حَسَنَانِ، ولنحمل عليهما الإِطْلاَق.
وهل يجوزُ للإمامِ استئجارُ عَبِيد المسلمين؟ قال الإمامُ: الترتِيبُ فيه: أَنَّا إن جَوَّزْنَا له استئجارَ الأَحْرَارِ، فيجوزُ استئجارَ العبِيد أيضاً، وإلاَّ فَفِي اسْتئجار العَبِيد وَجْهان مُخَرَّجَانِ على أنه إذا وَطِئَ الكفارُ طرفاً مِنْ بلادِ المسلمين، هل يتعيَّن الجهادُ على العبيد؟
إِنْ قُلْنا: نَعَم، فهم مِنْ أَهْلِ فَرْضِ الجهادِ، فإذا وقفوا في الصفِّ -وقع عنهم، فيكون استئجارُهُم كاستئجار الأحْرارِ، وإِلاَّ فيجوزُ استئجارُهُم، وهو الذي أراد بقوله في الكتاب "إنْ قُلْنَا: لا يجبُ عليهم القتالُ بحِالٍ" وإن أَخْرج عَبِيداً قَهْراً- لزمت أجرتُهم من يَوْمِ الإخراج إلى أَنْ يَعُودَ كُلُّ واحدٍ إلى يَدِ سَيَّده، هكذا أطلق صَاحِبُ "التَّهْذِيبِ" وغيرُه، ويشبه أن يبنى ذلك على الوجْهَيْن السابِقَيْنِ: إنْ جعلناهم من أَهْلِ فرض