ثُمَّ إذا حضر الذِّمِّيُّ القتالَ بإِذْن الإمامِ، فله الرضخ كما تبيّن في "قِسْم الغَنَائِم"، إلاَّ إذا كان قد اسْتَأْجره، فلا يستحقُّ إِلاَّ الأَجْرة، وإِنْ حضر بعد ما نهاه، فلا شَيْءَ له؛ لأنَّهُ مُتَّهَمٌ بموَالاة أَهْلِ دِينه، وللإمام أَنْ يُعَزّره إذا رآه، وإنْ لم يكن نهيٌ ولا إِذْنٌ، فهل يَسْتَحِقُّ الرضخ؟ فيه وجهانِ:
أَصَحُّهما: المنعُ؛ لأَنَّهُ ليس مِنْ أَهْل الذَّبِّ عن الدين، بل هو مُتَّهَمٌ بالخيَانةِ، والميْلِ إلى أَهْل دينه.
والثَّانِي: أَنَّهُ يستحقُّ؛ لأنَّهُ بالعَهْدِ المُؤَبَّدِ صار من أَهْلِ الدار، ومِنْ أهل نصرتها.
[و] الثَّانِيَةُ: يجوزُ أَنْ يَسْتعين الإمامُ بالعبِيد إِذَا أَذِن السادَةُ (?)، وأَنْ يسْتصْحِبَ المراهِقِين، إذا كان فيهم جلادةٌ وغناءٌ في القتال، وكذا لمصلحةُ سَقْيِ الماء، ومُدَاوَاةِ الجرْحَى، وكذلك يَسْتَصْحِبُ النساءَ لمثل ذلك على ما مرَّ.
وفي "جَمْعِ الْجَوَامِعِ" للرُّوَيَانِي: أَنَّ القَفَّالَ ذكر: أَنَّ الشَّافعي -رضي الله عنه- أطلقَ قولَيْن في جواز إِحْضار نساءِ أَهْل الذِّمةِ وذَرَارِيهم، فأَحَدُ القوليْن: أَنَّهُ يجوزُ كما يجوز إِحْضارُ نساءِ المسلمين، وذَرَارِيهم.
والثَّانيِ: لا يجوزُ؛ لأنَّهُ لا قِتَالَ فِيهم، ولا رأْيَ ولا نتبركُ بدعائهم (?)، وهَاهُنَا كلمتانِ:
إِحْدَاهُمَا: ظاهِرُ ما ذكره لَفْظاً وتوجيهاً -جوازُ إحضارِ الذُّريَّةِ مُطْلقاً، إِلاَّ أَنَّ مَنْ لا يميِّزُ وَجَبَ أَلاَّ يجوزَ إحضارُه، كما نَصُّوا في المجنون أَنَّهُ لا يُحْضَرُ؛ لأنَّهُ يُعَرَّضُ للهلاك بلا مَنْفعةٍ.
والثَّانِيَةُ: ذكرنا في "قسْم الفَيْءِ والغَنَائِمِ" أَنَّ نِسَاءَ أَهْلِ الذِّمةِ إذا خَرَجنَ بإذْنِ الإِمام، لهن الرضخُ على أصحِّ الوجْهَيْن، فيجوزُ أَنْ يُبنَى الوجهان على القولَيْن المنقُولَيْن هاهنا، ويجوز أن يقدر خلافٌ في استحقاقهن الرضخ، مع تجْوِيز الإذْنِ لَهُنَّ، ويوجه المنعُ بِأَنَّهُنَّ يتبعْن الرجال في الجزيَةِ المبذُولَةِ، فكذلك يتبعن في الرضخِ المأخُوذِ.
الثَّالِثَةُ: المخذَّل للجيش يُمْنعُ من الخُرُوج مع الناس، فإنْ خَرجَ أُخْرِجَ من الجنْدِ، ولا يَسْتحقُّ شَيئاً وإن حضر القِتالَ، فإنْ قتل كافراً لا يستحق سلبَه. والمخذِّلُ: هو الذي