حكوا عن الشافعي -رضي الله عنه- قولين في أنه إذا أصابت أسفل خفه أو نعله نجاسة فدلكه بالأرض حتى ذهب أجزاؤها، هل تجوز صلاته فيه؟ قالوا: وهما مبنيان (?) على أنه لا يطهر، والكلام في العفو.
أحدهما -وهو القديم-: أنه تجوز صلاته فيه، وبه قال أبو حنيفة، لما روي أنه -صلى الله عليه وسلم- قال: "إِذَا أَصَابَ خُفَّ أَحَدِكُمْ أَذًى فَلْيدْلِكْهُ بِالأَرْضِ" (?).
ولأن النجاسة تكثر في الطرق، وغسله كل مَرَّةٍ مما يشق، فعفى عنه، فاكتفى بالمسح كمحل النجو.
والثاني -وهو الجديد-: أنه لا يجوز الصلاة فيه ما لم يغسل كالثوب إذا أصابه نجاسة، والأذى في الخبر محمول على المستقذرات، وذكروا للقولين شروطاً:
أحدهما: أن يكون تنجسه بنجاسة لها جُرْمٌ يلتصق به، أما البول ونحوه فلا يكفي فيه الدلك بحال.
والثاني: أن يقع الدلك في حال الجفاف، فأما ما دام رطباً فلا يغنى الدلك بلا خلاف.
والثالث: حكي عن الشيخ أبي محمد بأن الخلاف فيما إذا كان يمشي في الطريق فأصابته النجاسة من غير تعمد منه، فأما إذا تعمد تلطيخ الخف بها وجب الغسل لا محالة، ثم قال الأصحاب: الفتوى على الجديد، ولم يفرقوا في حكاية القولين بين القليل والكثير من طين الشوارع المستيقن نجاسته وبين سائر النجاسات الغالبة في الطرق.
واعلم ثانياً أن قوله: (وكذا ما على الخف) يعني: من طين الشوارع، وسائر النجاسات الغالبة في الطرق، كالروث وغيره، لأن لفظه في "الوسيط" (وكذا ما على الخف من نجاسة، لا يخلو الطريق عن مثلها) وإذا عرفت ذلك ذلك أن تقول: إن قلنا بالقديم فيحتمل نجاسة الخف، ويكتفي بانتشار جرم النجاسة عنه بالدلك بعد الجفاف، وإن قلنا بالجديد فلا يحتمل ذلك، فما معنى قوله: (وكذا ما على الخف) أهو جواب على القديم أم كيف الحال؟ والجواب: أن خروجه على القديم واضح لا ينكر ووراءه احتمالان أقربهما أن يكون القولان مفروضين في الكثير الذي يعفى عنه من النجاسات، وهل يجب غسله إذا أصاب الخف أم يكتفي فيه بالدلك؟ ويكون المراد مما ذكره في