الكتاب القليل من الطين المستيقن نجاسته، ومن الروث وغيره، فيعفى عنه في الخف كما في الثوب والبدن من غير غسل ولا دلك؛ بل العفو فيه؛ لأن الاحتراز أشق، وكذلك يكتفي فيه بالدلك على قول، ولا يكتفي به في الثوب والبدن بحال، فعلى هذا لا يتعين كلام الكتاب جوابًا على القديم، بل القليل معفو عنه بلا خلاف، والأثر الباقي على القديم أيضاً فينتظم فيهما الحكم بالعفو مما على الخف.

والاحتمال الثاني هو: أن يؤخذ بإطلاق القولين، ويطرد في القليل والكثير من هذه النجاسات، ويجوز أن يفرق على هذا بين الخف والثوب بأن الحاصل على الخف قدر كبير، وأيضاً فإن الخف ينزع في الغالب، ولا يحتاج إلى استصحابه بخلاف الثياب، فعلى هذا يتعين كلام الكتاب جوابًا على القديم، ومتى وقع التفريع على القديم مراداً سواء كان ذلك كل المراد، أو من المراد، فيجب أن يريد بقوله: (وكذا ما على الخف) أثر النجاسات المذكورة بعد الجفاف دون عينها، فإنه لو بقي العين فلا يحتمل على القديم أيضاً، كما لا يحتمل على الجديد، وعلى الاحتمال الأول ينبغي أن يعفى عن اللوث الحاصل على جميع أسفل الخف وأطرافه، وبعد ذلك قليلاً بخلاف ما لو كان على الثوب والبدن، وكذا يعفى عن اللوث في حال الرطوبة كما في الثوب البدن، بخلاف ما إذا فرعنا على القديم، فإن العفو يختص بالأثر الباقي بعد الجفاف والدَّلْكِ، ثم العفو بكل حال فيما يحصل من غير قصد منه، أما لو تعمد التلطيخ فلا، وهكذا يكون الحكم في الثوب والبدن، ولهذا قال في باب الاستقبال: الماشي المتنفل لو مشى على نجاسة قصداً بطلت صلاته، ولا تجب المبالغة في التحفظ عند كثرة النجاسات في الطرق فإن قلت حكيتم ثَم عن إمام الحرمين أنه لو مشى على نجاسة رطبة بطلت صلاته، سواء كان قاصدًا إليها، أو لم يكن، وهذا يخالف ما ذكرتم الآن قلنا: ذاك إذا جرينا على الاحتمال الأول، الأقرب محمول على ما إذا حصل تلويث كثير لا يقع في حد العفو.

واعلم أن قوله في باب المسح على الخفين: (يمسح أعلى الخف، وأسفله إلا أن يكون على أسفله نجاسة) إن كان تجويزًا للصلاة معه، وعفوًا فتنزيله على قضية القولين كما ذكرنا في قوله: (وكذا ما على الخف) ويمكن أن يقال: ليس الغرض ثَمَّ، سوى أنه لا يصح على الأسفل إذا كان عليه نجاسة كما قدمناه.

قال الغزالي: الثَّالِثَةُ: دَمُ البَرَاغيثِ مَعْفُوٌّ عَنْهُ إِلاَّ إِذَا كَثُرَ كَثْرَةَ يَنْدُرُ وُقُوعَهُ وَيَخْتَلِفُ ذلِكَ بِالأَوْقَاتِ وَالأمَاكِنِ، فَإِنْ وَقَع كَثْرَتُهُ فِي مَحَلِّ الشَّكِّ فَالاْحْتِيَاطُ أَحْسَنُ، وَالتَّرَخَّصُ بهِ جَائِزٌ أَيْضًا.

قال الرافعي: دم البراغيث ينقسم إلى قليل وكثير، فالقليل مَعْفُو عنه في الثوب

طور بواسطة نورين ميديا © 2015