والثاني: في الأحوال التي تسقط فيها النفقة.
والثالث: فيمن أعسر، وعجز عن توفية الواجب.
أما الباب الأول: ففيه فصلان:
الفصل الأول: فيما يجب، وهو أنواع:
أحدهما: الطعام؛ أما قدره، فيختلف باختلاف حال الزوج في اليسار والإعسار، ولا يُعْتَبَر فيه الكفاية، ولا يُنْظَر إلى حال المرأة في الزهادة والرغبة، ولا في منصبها وشرفها وتستوي المُسْلمة والذمية والحرة والأمة، واحتج الأصحاب -رحمهم الله- لأصل التفاوت بقوله تعالى: {لِيُنْفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ وَمَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ} أي ضُيِّق.
ثم قالوا: وجَدْنا الشرع قد قَدَّر في الكفارات فأكثر ما أوجب فيها للمسكين الواحد مُدَّيْنِ، وذلك في كفَّارة الأذى وأقل ما أوجب للواحد مد واحد، وذلك في كفارة اليمين والظهار والوقاع في نهار رمضان، فاعتبرنا النفقة بهما؛ لأن كل واحدٍ منْهما مالٌ يجِبُ بالشرع وَيَسْتَقِرُّ في الذمة، فأوجبنا على الموسر الأكْثَر، وعلى المُعْسِر الأقلَّ وجعَلْنا المتوسِّط بينهما، وألزمناه مدّاً ونصْفَ مُدٍّ، وقال الإِمام -رحمه الله- ومن نحا نحوه في توجيه المَذْهَبِ: إن نفقة الزوجات ليست على الكفاية كنفقة القريب لأنها تُسْتَحَقُّ في أيَّام مَرَضِها وشبعها، وإذا بَطَلَت الكفاية، حَسُن تقريبها من الكفارات، فالمُدُّ الواحد يَكْتَفِي به الزهيد، ويتبلَّغ به الرغيب والمدان قدر للمتوسِّعين.
والمعتبر مُدُّ النبيَّ -صلى الله عليه وسلم- وهو مائَةُ ودِرْهَم وَثَلاثةَ وَسَبْعُونَ دِرْهَمَاً وثلث درهم (?) والمدان ثلاث مائة درهمٍ وستة وأربعون درهماً والمد والنِّصفْ مائتا درهمٍ وستون درهماً. هذا ظاهر المذهب، وما وُجِّه به، وثلثا درهم، ووراءه قولان:
أحدهما: عن رواية الشيْخ أبي مُحَمَّد: أنه يعتبر فيه الكفايَةُ كما في نفقة القَرِيب، وقد يُحْتَجُّ له بما رُوِيَ أنه -صلى الله عليه وسلم- قَاَلَ لِهِنْدَ: "خُذِي مَا يَكْفِيكِ وَوَلَدَكِ بِاَلْمَعْرُوفِ" (?).
والثاني: عن رواية صاحب "التقريب": أن الاعتماد في قَدْر النَّفَقة على فرض القَاضِي، وعليه أن يَجْتهد، وعند أبي حنيفة، ومالك: أن الاعتبارَ بحَال المرأة، ويختلف القَدْر برغبتها وزهادتها، ويقال: إن النَّظَر عند أبي حنيفة إلى شَرَفِها وضعتها، وعند أحمد: يُنْظَر إلى حال الزوجين جميعاً حتى يَجِبَ على المُوسِر للفقيرة نفقة متوسطة.
والأُمَ يُنْظَرُ في اليَسَار والإعسار والتوسُّط؟ فيه وجوه: