إن خفتم أن لا تعدلوا بيْن النساء، فاقتصروا على واحدةٍ وعلى ما ملكت أيمانكم، فذلك أدنى أن لا تَكْثُر عيالكم، ولا تلزمكم المؤن الكثيرة؛ فدل على وجوب مؤنة العِيَال، وهاهنا كلامان:
أحدهما: اعترضوا على تفسير الشافِعِيّ -رضي الله عنه- وقالوا: قوله: "أَلَّا تَعُولُوا" معناه ألا تَجُورُوا؛ لئلا تكثر عيالكم، يقال: عال إذا جار، وأعال إذا كَثُرَ عياله، وأجيب عنه بأن ما ذكره الشافعيُّ -رضي الله عنه- منقولٌ من جِهَة الأثر عن زيد بن أَسْلَمَ -رحمه الله- ومن جهة اللُّغَة عن الكسائيِّ -رحمه الله- وإن كان أعال في العيال أكثر.
والثاني: ذكر الشَّافعيُّ -رضي الله عنه- هاهنا استحبابَ الاقْتصار على امرأة واحدة، وذلك لِعُسْر العدل والتسوية بينهن، والعَجْز عنه قال الله تعالى: {وَلَنْ تَسْتَطِيعُوا أَنْ تَعْدِلُوا بَيْنَ النِّسَاءِ وَلَوْ حَرَصْتُمْ} [النساء: 129] وقال الماوردِيُّ: هذا إذا كان تكْفيه الواحدة، ومن لا يقنع بالواحدة لقوة شهوته، فالأَوْلَى به الزيادة؛ ليكون أغضَّ لطرفه.
ومِنَ السنة ما رُوِيَ أن هنْدَ امرأة أبي سفيان جاءت إلى رَسُولِ الله -صلى الله عليه وسلم-، فقالت يا رسول الله إنَّ أَبَا سُفْيَانَ رَجُلٌ شَحِيحٌ لاَ يُعْطِينِي [من النفقة] مَا يكْفِينِي وَوَلَدِي إِلاَّ مَا آخُذُ منْهُ سِرّاً، وَهُوَ لاَ يَعلَمُ، فَهَلْ عَلَيَّ فِي ذَلِكَ شَيْءٌ؟ فَقَالَ: "خُذِي مَا يَكْفِيكِ وَوَلَدَكِ بِالْمَعْرُوف" (?) واستخرج الأصحاب من الخبر وراء وجوب نفقة الزوجة ووَلَدِها فوائِدَ:
منْها: أنه يجوز للمرأة الخُرُوج من بيتها لتستفتي، وأنَّ صَوْتها لَيْسَ بعورة، وأنه يَجُوزُ لِمَنْ مُنِعَ حَقَّه أن يَشْكُو وَيتظلَّم، وأنه يجوز ذِكْر الغائب بما يسوءه عند الحاجة، فإنها وصَفَتْه بالشُّحِّ، وأنه يجوز لِمَنْ له حقٌّ على غيره، وهو ممتنع، أن يأْخُذ من ماله بغَيْر إذنه، وأنه لا فَرْق بين أن يكون من جنْس حقِّه أو من غير جنسه، وأنه يَجُوز للقاضِي أن يَقْضِي بعلْمِه على الغائب وأجيب عنْهما: بأنه أفتى ولم يَقْضِ، وأن الأم تكون قيِّمة الوَلَد، فإنه جوَّز لها الأَخْذ والإنفاق في حياة الأَبِ، فكذلك بعْد موته، وهذا وجه قد مر في موضعه، وصححه الجُوَيْنِيُّ في "المنهاج" وأفتى به القاضي الرُّويانيُّ، وظاهر المَذْهَب خلافُهُ، وإذا شهد ذلك، فلا بد في نفقة الزوجات من معرفة ما يجب، وأنَّه كيف تُوَفِّي وأنه متى يجب، ومَتَى يسْقُطُ، وأنه إذا عَجَزَ الزوْجُ عن الواجب، ما الذي تعمل؟ فضمن القول في هذه الأمور في ثلاثة أبواب:
أحدها: في قَدْر الواجب وكيفيته.