قَالَ الْغَزَالِيُّ: وَأَمَّا كَيْفِيَّةُ الحِلِفِ فَيَحْلِفُ مُدَّعِي الرِّضَاعِ عَلَى البَتِّ، وَمُنْكِرُهُ عَلَى نَفْيِ العِلْمِ.
قَالَ الرَّافِعِيُّ: من الأُصول الممهِّدة أنَّ الحالِفَ عَلَى فِعْل الغَيْر يحلف على البت إن كان يثبت، وعلى نفي العلم إن كان يَنْفِي [وحَظُّ الرضاع مِنْ هذا الأصل أنَّ مُنْكِر الرِّضاع يَحْلِف عَلَى نَفْي العِلْم؛ لأنَّه ينفي] (?) فعل الغير، ومُدَّعيه يَحْلِف على البَتِّ يستوي فيه الرَّجُل والمرأة، فلو نَكَلَتْ عَنِ اليَمِينِ ورَدَدْناها على الزَّوْج أو نَكَل الزوج، وردَدْنا اليمين على المرأة فَتَكُون اليمين المردودةُ على البَتِّ؛ لأنها مثبتةٌ، وعن القَفَّال: أن اليمينَ المردودةَ تكون على نفي العِلْم؛ لتكون موافقةً ليمين الابتداء، [وقيل إن غير المنكر منهما على البت] ويُحْكَى عن الحاوي وجْهَانِ مُطْلَقَانِ في يمين الزوج إذا أنكر الرَّضَاع.
أحدهما: أنَّها عَلَى العِلْمِ كيمين الزوجة، إذا أنْكَرَتْ.
والثاني: على البت والقَطْع، وفُرِّقَ بأنَّ في يمينِ الزَّوْج مع تصحيحِ العَقْد فيما مَضَى إثباتَ استباحةٍ في المستقبل، فكانت على البت تغليظاً، ويمينُ الزوجة لبقاء حقٍّ ثَبَت بالعَقْد ظاهراً، فيُقْنِع فيه بالعِلْم، وليس هذا الفرق بمُتَّضِح وبنى على الوجْهَيْن ما إذا ادَّعَتِ الرضاع، فشَكَّ الزوج، فلم يقع في نفسه صِدْقُها, ولا كَذِبُها إن قلْنا: إنه يحْلِف على نَفي العِلم، فله أن يَحْلِفَ هاهنا، وإن قلنا على البت، فلا يحلف، وأشار في "التتمة" إلى طَرْد الوجهَيْن في يمين الزوجَيْن والزوجةِ جميعاً، ووَجَّه كون اليمين على البت بأنَّه ينفي حُرْمةً يدعيها المُدَّعِي للرضاع، فيحلف على القَطْع، وإذا عَرَفْتَ ما ذكرنا أعْلَمْتَ قوله في الكتاب "على البَتِّ" بالواو، وكذا قوله: "على نفي العلم".
قَالَ الْغَزَالِيُّ: أَمَّا الشَّهَادَةُ فَتَثْبُتُ (ح) بِقَوْلِ أرْبَعِ نِسْوَةٍ، فَإِنْ شَهِدَتْ أُمُّهَا وَابْنَتُهَا وَهِيَ مُنْكِرَةٌ قبل، وَإِنْ كَانَتْ مُدَّعِيَةً فَلاَ، وَيُقْبَلُ ابْتِدَاءً مِنْهُمَا بِطَرِيقِ الحِسْبَةِ، وَتُقْبَل شَهَادَةُ المُرْضِعَةِ لِأَنَّ فِعْلَهَا غَيْرُ مَقْصُودٍ بِالإِثْبَاتِ بَلْ وُصُولُ اللَّبَنِ إِلاَّ أنْ يَطْلُبَ الأُجْرَةَ فَلاَ يُقْبَلُ قَوْلُهَا، وَإِنَّمَا يَعْرِفُ الشَّاهِدُ وُصُولَ اللَّبَنِ إِلَى الجَوْفِ بِقَرِينَةِ مُشَاهَدَةِ الالْتِقَامِ وَالتَّجَرُّعِ وَحَرَكَةِ الحَلْقِ ثُمَّ يَشْهَدُ عَلَى البَتِّ بِأَنَّ بَيْنَهُمَا رَضَاعاً مُحرِّماً، وإنْ شَهِدَ عَلَى فِعْلِ الإِرْضَاعِ فَلْيَذْكُرِ الوَقْتَ وَالعَدَدَ، وَهَلْ عَلَيْهِ ذِكْرُ وُصُولِ اللَّبَنِ إِلى الجَوْفِ؟ فيه خِلاَفٌ، وَلاَ يَكْفِي أَنْ يَحْكِيَ القَرَائِنَ فَيَقُولَ: رَأْيْتُهُ قَدِ التَقَمَ الثَّدْيَ وَحَلْقُهُ يَتَحَرَّكُ.
قَالَ الرَّافِعِيُّ: كلام الباب الرابع قد رتبه في فُصُولٍ ثلاثةٍ: