أحدها: في دعْوَى الرضاع وحكمها.
والثاني: في كيفية اليَمِين فيه، وقد فَرَغْنَا.
والفصل الثالث: في الشهادةِ على الرِّضاع، وفيه مسألتان:
إحداهما: يثبت الرضاع بشهادة رجُلَيْنِ ورَجُل وامرأتين، وكذا يقبل شهادةُ أربع نسوةٍ؛ لأنه مِمَّا يخْتصُّ النساء بالإطلاع عليه غالباً، فأشبه الولادةَ، ولا يَثْبُت بما دون أربعِ نسوةٍ فإن كل امرأتين بمثابة رجل واحد، وقال أبو حنيفة: لا يَثْبُت الرَّضاعُ بالنِّسْوة المتمحِّضات، وعن مالك: لا حاجة إلى أربع نِسْوَةٍ، ويكفي ثنتان، وقَبِلَ أَحمدُ -رحمه الله- شهادةَ المُرْضِعة وحْدَها، ويجوز أن يُعْلَم؛ لذلك قوله في الكتاب "فَيَثْبُتُ" بالحاء.
وقوله: "أربع نسوة" بالميم والألف.
ولا يَثْبُت الإقْرارُ بالرضاع إلا بشهادةِ رجلَيْن؛ لأن الإقرار ممَّا يَطَّلع عليه الرجال غالباً، بخلاف نَفْس الرضاع، وفي "التتمة": أنه له كان التنازُعُ في شُرْب اللبنِ من ظَرْف، لم تُقْبَل فيه شهادةُ النساء المتمحضات لأنَّه لا يختص باطِّلاع (?) النساء علَيْه، وإنما تُقْبَل شهادتهن، [إذا كان النزاع في الرَّضَاع من الثَّدْي، وإنه تُقْبَل شهادَتُهُنَّ] على أن اللَّبَنَ الحاصل في الظرف لَبَنُ فلانةٍ؛ لأن الرجال لا يَطِّلعون على الحَلْب غالباً.
ولو شهدَتْ فيمن شَهِدَ أمُّ المرأة أو ابْنَتُها على حُرْمة الرضاع بَيْنَها وبين الزوج، فإنْ كان الرجُلُ مدَّعِياً والمرأة مُنْكِرة، تُقْبَل؛ لأنها شهادة على البِنْتِ أم الأم وإن كانت المرأَةُ مدَّعِيَةً، والرجُلُ منكراً، لم تُقْبَل لأَنَّها شهادةُ البِنْت للأُم قال الأئمة: ولا يُتصوَّر أن تشهد البنت على أمها بأنها ارتضعت من أم الزوْج، كما سيأتي -إن شاء الله تعالى- لأن الشهادة عَلَى الرَّضَاع تَعْتَمِدُ المشاهدة، ولكن يُتصوَّر أن تَشْهد عليْها بأنَّها أرضَعَتِ الزوْجَ في حال صِغَرِه أو أرضعته أمها أو أختها, ولو شهدت الأمُّ أو البنْتُ من غَيْر تقدُّمِ دَعْوى على سبيل الحِسْبةَ قُبِلَتْ، وإن احتمل أن تَكُونَ هي المُدَّعِية، وسنذكر -إن شاء الله تعالى- أن الرضاع مما تُقْبَلُ فيه شهادةُ الحِسْبَةَ في موضعه، وهذا كما أنَّه لو شَهِد أبو