لهما الرجُوعُ، هذا في الإقرار بالرضاع قبل النكاح.
وأما بعد النكاح، فلو توافَقَ الزوجان على أن بيْنَهما رضاعاً مُحَرِّماً فُرِّق بينهما وسَقَط المسمَّى، ويجب مهْر المثل إن جرى الدُّخُول، وإلاَّ، لم يجبْ شيْءٌ، وإن اختلفا فيه، ولا بينة، فإن ادعاه الزَّوْج، وأنكرت المرأة، قُبِلَ قوله في حقِّه، ولم يُقْبل في حقِّها، فنَحْكُم بانفساخ النكاح، ويُفرَّق بينهما، ويجب لها نصْف المسمَّى إن كان ذلك قبل الدخول، وجميعُهُ إن كان بعد الدخول وله وتحليفها قبل الدُّخول وكذلك بعده إن كان المسمَّى أكثر من مهْر المِثْل، فإن نَكَلَتْ، حَلَف الزوج، ولا شَيْء لها قبل الدخول، ولا يجبْ أكْثَر من مهْر المثل بعْد الدخول، كما لو أقام بيِّنةً على الرضاع.
وإن ادَّعَتِ المرأة الرضاع، وأنكر الزَّوْج، فقد مَرَّ في آخر "كتاب النكاح" أنَّه إنْ جَرَى التزويج منه برِضَاها, لم يُقْبَلْ قولُها، بل يُصدَّق الزوج بيمينه، وإن جَرَى بغير رضاها، فالمُصدَّق باليمين الزوجُ أو الزوجة؟ فيه وجهان:
والأصح عند صاحب الكتاب: أنَّهُ يُصدَّق كَلامُ الزَّوْجِ، وهو ظاهر كلام الشافعيِّ -رضي الله عنه- في الباب، وعليه جرى العِرَاقيُّونَ، وذكَرْنا هناك أن الأصحَّ عند الشيخ أبي عليٍّ وجماعة تصديقُ الزَّوْجة، وبه قال صاحب "التهذيب" والمتولِّي، وحكاه القفَّال عن النصِّ (?)، وإذا مكنت الزوجَ وقد زُوِّجت بغَيْر، رضاها، تام تمكينها مقام الرضا.
وقوله في الكتاب: "لم يندفع النكاح" إن أراد به أنه لا يندفع؛ لمجرد إقرارها بخلاف إقرار الرجُلِ، فالأمر كذلك، وإن أراد أنها لا تُحَلَّف، ولا يندفع النِّكاح بيمينها، بل يُصدَّق الزوج، فهو اختيار لوجه تصديقَ الزَّوْج كما ذكره في الكتاب في آخر النكاح.
والورع للزوج إذا ادعت الرضاع أن يُحَرِّم نكاحهن بطلْقَةٍ، لتحلَّ لغيره، إن كانت كاذبةً، نَصَّ عليه -رضي الله عنه- وليس لها المطالبة بالمسمَّى إذا ادعت الرضاع، فإنها لا تستحق بقولها ولها المطالبة بمهر المثل إن جرى الدخول، فإن كان ذلك بَعْدَما وَفَّى الزَّوْجُ الصَّدَاقَ، لم يتمكَّنْ من الاسترداد لِقوله، ويشبه أن يكون فيما يفعل بذلك المالِ الخلافُ المذكورُ فيما إذا أقرَّ بمال لغيره، وأنكره المُقَرُّ له.
ولو أقرت أمة بأخوة الرضاع لغير سيدها، يُقْبَل، فإذا اشتراها ذلك الغير، لم يَحِلَّ له وطؤها، وإن أقَرَّتْ لسيدها, لم يُقْبَل بَعْدَ التمكين، وقبله فيه وجهان، والله أعلم.