قَالَ الغَزَالِيُّ: (الثَّانِي): إِذَا قَذَفَ أَجْنَبِيَّةَ ثِمَّ نَكَحَهَا وَقَذَفَهَا وَلاعَنَ انْدَفَعَ الحَدُّ الثَّانِي أَمَّا الأَوَّلُ فَيُسْتَوْفَى وَلاَ يَنْدَرجُ تَحْتَ الحَدِّ السَّاقِطِ بِاللِّعَانِ وَإِنْ قُلْنَا بِالتَّدَاخُلِ لأَنَّ قَوْلَ الإتِّحَادِ يَجْرِي عِنْدَ الاسْتِيفَاءِ.
قَالَ الرَّافِعِيُّ: إذا قذف زوجتَهُ أو أجنبيةً مرتَيْنِ فصاعدًا، وأراد زَنْيةً واحدةً، لم يلْزَمْه إلا حَدٌّ واحدٌ؛ لأنه لم يَقْذِفْ إلا بفاحشةٍ واحدةٍ، إن حُدَّ مرة، أعاد، عُزِّرَ للثاني؛ لما فيه من الإيذاء، ولا يَحَدُّ لظهور كذبه؛ ويدل عليه قصة (?) أبي بَكْرة الثقفيُّ؛ فإنه كَرَّر قذف المغيرة -رضي الله عنه- فلم يُكَرَّر الحَدُّ عليه، وإن قَذَف بزنية أُخْرَى مثْل أن قَالَ: زنَيْتِ بفلان، ثم قال: زَنَيْتَ بآخر؟ فقولان:
الجديد، واحد قولَي القديم: أنه لا يَجِبُ إلا حَدٌّ واحدٌ؛ لأنهما قَذْفَانِ لشخص واحد، فيتداخل موجبهما، كما لو قذف مرتين بزَنْية واحدة؛ وهذا لأنَّ الحدَّ الواجب يُظْهِر الكذب، ويدفع العار.
والثاني مِنْ قولَي القديم: أنه يتعدَّد الحدُّ؛ لأنه حقُّ الآدميِّ، فلا يجري فيه التداخل، كالقصاص وسائر الحقوق، وهذا يُشْكَل بما إذا قَذَف ثانيًا بالزنا الأوَّل، ورأى القاضي ابن كج القَطْع بأنه لا يجب إلا [حدٌّ]، (?) واحدٌ، وعلى هذا القول، لو قَذَفُ وُحَّد ثم قذف ثانياً يحد ثانيًا؟، كما لو شرب الخَمْر، فحُدَّ ثم شربها، أو يعزر للثاني، ويكتفي بظهور كذبه بالحد الأول؟ فيه وجهان أو قولان، ذكر القاضي ابن كج أن المَذْهب منهما أنَّه لا يُحَدُّ ثانيًا، ولو قَذَف زوْجَته مَرَّتَيْن فصاعدًا بزناءين، ففي الاتحاد والتعدد (?) هذا الخلاف، فإن قلْنا بالاتحاد، كفى لعان واحد، وإن قلْنا بالتَّعدُّد، فوجهان:
أحدهما: يتعدَّد اللعان بحسب تعدُّد الحَد، وأصحهما أنه يكفي لعانٌ واحدٌ؛ لأن اللعان يمين، وإذا كان الحَقَّان لواحد، كفت يمين واحدة عنْهما إلا أنه يقول في اللعان: أشْهَد باللهِ إني لَمِنَ الصادقين فيما رَمَيْتُهَا به من الزناءين، وإن سَمَّى، الزانيين ذكرهما في اللعان، ولو وقع به أحَدُ القذْفَيْن في حال الزوجية، والآخر خارجها، ففيه مسألتان:
إحداهما، وهي مسألة الكتاب: إذا قَذَف أجنبيةً ثم نكحها قبل أن يُحَدَّ ثم قذفها، نُظِر؛ إن قذفها بالزنا الأَوَّل، لم يجبْ إلا حَدٌّ واحدٌ، ولم يكن له إسقاطُهُ باللعان، بل يحتاج إلى البيِّنة وإن قَذَفَها بزنا آخر، ففي اتحاد الحَدِّ وتعدُّده طريقان:
أحدهما: أنه على القولَيْن فيما إذا قَذَف زوْجَتَه أو أجنبيةٌ بزنائين.