والثاني: القطع بالتعدُّد، والفرْقُ أن القذف في الزوجية، والقَذْف خارج الزوجية يختلفان في الحُكْم؛ فالثاني لا يسقط موجبه إلا بالبَيِّنَة، والأوَّل يسْقط مُوجِبه بالبينة واللعان فينزل ذلك منزلة حدين (?) مختلفين، ولا تداخل مع الاختلاف؛ ألا ترى أنه لو زَنَى، وهو بكر، ثم زنى، وهو مُحْصَنٌ، لا يتداخل الحدان، والطريق الثاني أصَحُّ عنْد القاضي أبي الطيِّب، وهو الذي أورده الشيخ أبو حامد ومَنْ تابعه، ورجَّح مُرَجِّحون طريقة القولَيْن، وقالوا: موجب القذْفَيْن الحدُّ، وذلك لا اختلاف (?) فيه، وإنما الخلاف (?) في طريق الخَلاَص، وإيراد صاحب "التهذيب" يوافقه، فإن قلنا بالاتحاد، فإن لم يُلاَعِنْ، حُدَّ لهما حدًّا واحدًا، وإن لاَعَنَ للثاني، حُدَّ للأول، وإن حُدَّ للأول قبل أن يُلاَعِن، سَقَط اللعان للثاني إلا أن يكون هُنَاك ولَدٌ، فيُلاعن لنفيه، فإن لم يكُنْ، فعلى الخلاف في أنَّه هل يجوز اللعان؛ لمُجَرَّد غرَض قطْع النكاح وإلصاق العار بها؟ وقد سبق، وإن قُلْنا بالتعدد، فإن طالَبَت أوَّلاً للقذف الأوَّل، فأقام بيِّنة على زِنَاها، سَقَطَ عنه الحدان جميعًا؛ لأنه ثَبَت أنَّها غيْرُ مُحْصَنة، وإن لم يَقمْ حُدَّ، ثم إذا طالَبتْ للثاني، فإن أقام بيِّنة أو لاعن، سَقَط عنه الحدُّ الثاني، وإلا حدَّ ثانيًا، وإن طالَبَتْ أولاً للثاني، فإن أقام بينة، سَقَط الحدان، وإلا فَإِنْ لاعن، سقَط عنْه الحد الثاني دون الأول، وإن لم يلاعن، حُدَّ للثاني، ثم يحد للأول، دهان طالبت بهما جميعًا، حُدَّ للأول؛ لِسَبْقِ وجوبه، ثم للثَّاني إن لم يُلاَعن، وإن حُدَّ في القَذْف الأول، ثم قَذَفَها في النِّكَاح، ولم يلاعن، فيُحَدُّ ثانيًا [و] (?) قال ابن الحَدَّاد: لا يُحَدُّ للثاني، قال الشيخ أبو عليٍّ -رحمه الله-: وهذا ما رضيه أحَدٌ من أصحابنا، وقالوا: يحد ثانيًا إذا لم يلتعن تفريعًا على قَوْل التعدد، وقالوا: لا فرق بين أن يقذف في النِّكاح بعْد أن يُحَدَّ للأول أو قبله، في أنَّه يُحَدُّ للثاني، إذا لم يلتعن.
نعم، إذا كان قبله، حُدَّ لكلِّ واحد منهما.
وقوله في الكتاب "اندفع الحد الثاني" إلى آخره المقصودُ منْه أن حدًّا واحدًا مستَوْفًى لا محالة سواءٌ قلنا بالتداخل أو لم نقل به؛ لأن اللعان لا يُؤَثِّر في موجب القذف الأول، وإنما يُؤَثِّر في الثاني، فالأول ثابتٌ مستقرٌّ، والتداخل إنما يُحْكَم به عنْد الاستيفاء، فيقال: يتداخل الواجبان (?)، ويعودان إلى واحد، وأما السَّاقط، فلا يدخل منه (?) شَيْءٌ.
المسألة الثانية: قذف زوجته، وأبانها من غَيْر لعان، ثم قَذَفها بزنًا آخَرَ، فإن حُدَّ للأول، ثم نَكَحها، فهل يُحَدُّ للقذف الثاني؟ فيه قولان، كما لو قذف أجنبية وحُدَّ ثم